لن تمتد رائحة الياسمين الثورية التونسية إلى بلدان أخرى قريبة أو بعيدة، وستظل الأجواء فى البلدان المجاورة ذات روائح عطنة لفترة أخرى من الزمن تعلمها السماء وتحددها إرادة الشعوب وقدرة احتمالها على الغضب الكامن فى الصدور.
ستغضب أنت الآن وتعتبرنى علبة «بيروسول» تنشر الإحباط لقتل الهمم وتثبيط العزائم التى نشطت على موقع «الفيس بوك» لإشعال الثورة، هذا من حقك فلتغضب كما تشاء، فأنت غاضب منذ زمن والغضب يملأ صدرك ولم تنفس عنه يوماً إلا على صفحات «الفيس بوك» أو جلسات المقاهى، بل وجاءتك ألف فرصة على طريقة الشاب «بوعزيزى» الذى قدم للتوانسة شرارة ثورتهم الأولى ولم تفعل أى شىء، حاول أن تتذكر هؤلاء الذين ذهبت أرواحهم أونطة، وتتذكر آلاف الإهانات التى يتعرض لها باعة الخضار فى الأسواق من قبل البلدية وستعرف لماذا ستظل الأجواء عطنة الرائحة ولن تطولها رائحة الياسمين التونسية فى وقت قريب؟
تعال إذن نتكلم فيما هو مفيد، والمفيد هنا يتعلق بضرورة إعادة الاعتبار لشعوب دول العالم الثالث والمجتمع الديكتاتورى التى كنا نعتقد أنها مغلوبة على أمرها، فإذا بجزء منها وهو الشعب التونسى يثبت خطأ النظرية ويعيد بالتطبيق الاعتبار للمهمشين والغلابة ويؤكد على دورهم الرئيسى فى اللعبة السياسية التى يخرجون منها بمزاجهم ويجلسون على الدكة لمشاهدة ألاعيبها حانقين وغاضبين حتى يتخيل جمهور المتابعين أنهم خانعون لاحول لهم ولا قوة، وفجأة يأتى قرار المشاركة ويتحول رجال الدكة إلى لاعبين رئيسيين قادرين على تحويل دفة اللعبة حتى ولو اعتقد البعض أن المباراة قد دخلت فى سراب الوقت الضائع، إنه الإيمان بالشعب، بك أنت ياسيدى.. هذا هو ماصدرته التجربة التونسية لشعوب المنطقة، أعادت لهم الاعتبار وفتحت أمامهم أبواب استعادة الثقة مرة أخرى بعد عصور من الانهزام والعيش فى كنف الأب الراعى وكأن زواله عن الكرسى يعنى زوالهم من الحياة.
ومثلما أعادت ثورة الياسمين الاعتبار للشعوب فإنها كشفت عورة السلطة، وأظهرت هزل وضعف الديكتاتور - أى ديكتاتور- حتى ولو بدا منفوخا بجبروته وأجهزة أمنه، فهل كان أحدكم يتخيل أن «زين العابدين بن على» الذى حكم 23 سنة بالحديد والنار بلا نفس معارضة واحد حتى ولو على سبيل التمثيل يمكن أن يسقط من على عرشه فى أسبوع واحد بدأ بمظاهرات عشوائية من داخل سوق للخضار؟!، ماحدث مع «بن على» سيفهمه كل ديكتاتورات العالم قبل أن تفهمه الشعوب، سيفهم كل واحد فيهم أنه لا يجب أن يستمع أبداً لكل تقارير حاشيته التى تخبره بأن يجلس على عرشه مطمئنا وفى بطنه «بطيخة صيفى»، وتلك حقيقة لو استقرت فى وجدانهم ففيها للشعوب المطحونة نفع عظيم.
ستتأخر رائحة الياسمين عن الوصول إلى البلدان المجاورة لتونس قليلا أو طويلاً لأن بعض الأنظمة الحاكمة لم تستوعب بعد أى شىء من الدرس التونسى بدليل أنهم مستمرون فى تقديم الأكاذيب، وهل هناك أكذوبة أكثر من بيانات تلك الأنظمة الحاكمة الخاصة بالموقف فى تونس والتى تقول: «نحن نحترم رغبات الشعب التونسى واختياراته»، هذه الكلمات قد تبدو نبيلة الموقف ولكنها تحمل الكثير من النفاق فى باطنها وتؤكد فعلاً أن ماحدث فى تونس لم يهز شعرة فى رأس أى بلد ضمنت فى بيانها حول الثورة التونسية هذا الكلام، وهل يمكن أن نصدق أن هذه الأنظمة الحاكمة تحترم فعلاً رغبات الشعب التونسى واختياراته وهى أصلا لا تحترم رغبات شعوبها أو اختياراتها؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة