لقد صدقت مقولة الشاعر التونسى أبو القاسم الشابى حينما قال إذا أراد الشعب يوما فلابد أن يستجيب القدر.. ولابد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر.. وقد فعلها الشعب التونسى وأجبر الرئيس التونسى زين العابدين بن على وأسرته على الرحيل والهروب إلى خارج البلاد والتحليق فى الجو باحثين عن مكان ووطن يؤويهم غير بلدهم الأصلى تونس بعدما عاثوا فيها فسادا واستسلموا لنفوسهم الأمارة بالسوء فى كل تصرفاتهم وجعلوا نفوسهم حكما لكل الأمور وتركوا الشعب يعانى الحاجة والبطالة والفقر والفساد.. وهذا مصيرهم ومصير غيرهم من الظالمين، فقد استقر الأمر بالرئيس الهارب إلى السعودية بعدما رفضته أمريكا وفرنسا!! وبالرغم من صغر عدد سكان تونس 10 ملايين نسمة، إلا أن الشعب التونسى القوى الصبور ذو الإرادة القوية استطاع أن يفرضها على الظلم الليل والقيد الذى أراد أن ينكسر!! فما حدث فى تونس يعتبر تاريخًا لا يمكن نسيانه ونقطة تحول كبيرة وهامة فى العالم العربى كله الذى ارتضى لنفسه كل ما هو سيئ دون أن يحاول تغييره للأفضل فاختاروا أن يكونوا أحياء فى بلاد مات منها الحياء!!
وما حدث يعتبر شرارة خطيرة بدأت فى العالم العربى ونتمنى أن تستمر فى بلاد عربية أخرى ودرس خطير لابد أن يتعلم منه حكامنا العرب.. فلم تعد للمسكنات الحكومية وسياسية التنفيس التى تقوم به الدولة من أجل التهدئة أى فعالية فى تهدئة الشعوب العربية التى إذا أرادت فلابد أن يستجيب القدر.. فلم تعد حرية الرأى والتعبير وما يبث فى برامج التوك شو والتجمعات والمظاهرات فى الجامعات والنقابات والشركات من أجل المطالبة بالحقوق تجدى الآن فلابد من وقفة حاسمة بين الشعب وحكوماته من أجل المستقبل والأجيال القادمة ولابد من عمل مصالحة وإصلاح حقيقى ولا أدعو الشعوب العربية إلى التظاهر بقدر ما أدعو أطراف المجتمعات العربية شعوبا وحكومات إلى التصالح مع النفس والحد من المظالم التى كثرت فى البر والبحر والفساد الذى استشرى فى مجتمعاتنا والعدالة الغائبة والضائعة وسط المظالم المتعددة..
والغريب فى الأمر أن مفجّر هذه الانتفاضة الشعبية فى تونس شاب تونسى خريج جامعة فقير يدعى "بوعزيزى"، كان يبيع الخضار على عربية صغيرة قد استأجرها وتمت مصادرة هذه العربة من قبل شرطة البلدية وعندما ذهب لإحضارها تم ضربه بعنف وصفعه الضابط على وجهه فقام بإشعال النار فى نفسه ثم مات أثناء علاجه بالمستشفى وبعدها بدأت الانتفاضة الشعبية التونيسية التى أدخلت الفرحة فى قلوب الشعوب العربية وليس حكامها بالطبع.. وطالبت هذه الشعوب العربية بتدعيم موقف الشعب التونسى ضد رئيسهم الفاسد!
لقد أثبتت هذه الانتفاضة أن الشعوب العربية لم تمت بعد ولا يمكن اعتبارهم فى تعداد الأموات وأن الأمل باق ما دامت هناك حياة وأنفاس تتدفق وإرادة شعبية قادرة على وقف الظلم وإعادة الحياة مرة أخرى من جديد بعد موتها تمامًا فى ظل الحكام الطغاة!