ما تمر به الأمة العربية الآن من موجات تشبه موجات تسونامى من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب حالة ربما تدفع عشرات بل مئات المحللين والكتاب والمنظرين إلى كتابة عشرات المقالات والتحليلات، حتى هؤلاء الذين يجلسون على المقاهى وكانوا قديماً يطلقون عليهم حكماء ريش نسبة إلى مقهى ريش الشهير حتى هؤلاء سيطلقون الأحكام ويحللون الظروف ويتنبأون بما سوف يكون استناداً على ما كان.
فالفرق فى عراك من أجل الذهب الأسود والنخيل.. ولبنان بقعة صغيرة ولكنها سلاح إثبات قوة لصالح إقليمى على السيادة، وسوريا تائهة تبحث عن هوية بين لقب الجهاد أو الخضوع، والأردن يصرخ فيه الناس ويرد عليهم أهل الجزائر التائهون بين الضاد العربية وحلم الوصل بالأم الفرنسية المتحررة.
والسودان ما عاد البلد الشقيق الواحد الذى يربطه الحبل السرى بمصر، وتونس تخوض حرب التحرير الثانية ويركب موجتها قطاع الطرق واللصوص، والثورة التى قام بها المطحونون يكسب قوتها عادة النهابون، ومصر لها الله فيما هى فيه من فساد وغياب عدالة اجتماعية وتطرف ضرب عناصر تكوينها.
خلاصة الحديث.. وبغض النظر عن أهمية تحليل كل ما سبق أجدنى مدفوعة كإنسانة محبة للفن والسينما بأن أنظر للمشهد العربى من زاوية درامية بحتة، فما أعظم الدراما الحياتية العربية وما أكثرها ثراء لصناع الفن، لكنهم قليلاً ما يستغلونها، واسمحوا لى رغم أنى لست من صناع الفن السينمائى أن أرصد لكم مشهداً سينمائياً أحلم بأن يقدمه لنا يوماً أى فيلم سينمائى.
ليل خارجى لحظة الغروب فى مطار تونس الدولى.. طائرة رئاسية تحمل من كان بالأمس المال والسلطة ملك يمينه وتتحرك الطائرة ببطء على أرض المطار ثم تطير فى السماء باحثة عن أرض، أى أرض تستقبلها فلا تجد.
ليل داخلى: من داخل الطائرة الرئاسية.. الطيار يتصل بعدة أبراج مراقبة فى دول مختلفة والإجابة لا تهبط لن نسمح لك، ثم يبلغ قائد الطائرة أحد مطارات إيطاليا أنه مضطر للهبوط من أجل التزود بالوقود فتوافق روما على مضض، وبالفعل تهبط الطائرة ثم نراها تسرع بالإقلاع.
المشهد لن يعرض لنا صورة ركاب الطائرة فقط، صورة قائدها وهو يحدثهم، فصورة ركابها اختفت من على الشاشة، لأنهم طالما كانوا فى صدر المشهد والآن هم مجرد أشباح تبحث عن مكان يأويهم بعد أن كانت كل أرضى هى ملك لهم.
يستمر الليل الداخلى فى غرفة قيادة الطائرة لنسمع صوت مساعد الطيار يقرأ فى كتاب الله.. بسم الله الرحمن الرحيم "ذق إنك أنت العزيز الكريم"، وحين يسأله قائد الطائرة عن الآية التى يقرأها يرد بأنها الآية التى تحكى للبشر اللحظة التى سيلتقى فيها الظالمون الطغاة بالعذاب، فيقول لهم خزنة النار ذوقوا من العذاب يا من كنتم طغاة بعزتكم فى الأرض.
يقطع حديث قائد الطائرة ومساعدة صوت يأتى عبر اللاسلكى معلناً أن بلاد الحرمين دون غيرها من بلاد الدنيا هى الوحيدة التى قبلت أن تحط فيها الطائرة بركابها الهاربين من الجحيم.. قطع.
المشهد الثانى:
البرازيل بلاد السامبا ليل خارجى.. ملايين من الكتل البشرية تقف حاملة الشموع تنادى بصوت هادر: لولا لولا لولا.. فينظر رجل فى الستين من عمره وإن بدا أصغر وجه بشوش يلقى بالورود على الناس وتنزل دموعه وهو يلوح لهم مودعاً، ثم فلاش باك من عقل الرجل تتلقفها الأيادى مكتوب فى أحد عناوينها ويكيليكس تنشر مستندات التعاون بين زين العابدين بن على وإسرائيل.. قطع.
النهاية أو ربما البداية
ملحوظة بعد الختام: لا أفهم كيف يعيد الطغاة كتابة التاريخ ليعرفوا أن النهاية دائماً تأتى، فإن لم تكن قدرية، فإنها تأتى على يد الغاضبين، ويا لها من نهاية تائهة بين السماء والأرض ختامها عبارة "ذق إنك أنت العزيز الكريم" صدق الله العظيم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة