المصريون دائماً يغنون ليلاهم ويستقبلون الأحداث ليست كحقيقتها وإنما مصبوغة بأمانيهم وظروفهم.. وأحياناً أهدافهم.
تباينت مظاهر الاستقبال لأحداث تونس.. استقبلها المقهورون اقتصادياً واجتماعياً كمشهد يلوحون به للمتسببين فى حالهم، متمنيين لهم مصير أخونا زين الذى فر على طريقة البدر أمام اليمن.
السياسيون استقبلوا الحدث مهللين "إلى الأمام يا تونس" على طريقة استقبالهم لروميل فى الحرب العالمية عندما هللوا "إلى الأمام يا روميل".. ولم يكن روميل قد أعد العدة وشد الرحال ليحرر مصر من الإنجليز.. وأيضاً لم تقم الثورة فى تونس لإنقاذ مصر مما هى فيه.
الأدباء والفنانون انقذتهم أحداث تونس من ندرة الوحى والإلهام.. رجال الدين مشغلون بالفتاوى وصراع الفتن ولم يسمعوا أصلاً بالحدث.
الحكومة كان لها استقبال مختلف عندما رأت الحدث كرياح ملوثة تهددها وتهدد استقرارها، فقررت اتخاذ التدابير الوقائية لتجنب آثارها المدمرة.
ولأن دينامو عقل الحكومة أمنى فى الأساس وبسيط التركيب فقد راجع المعلومات حول مسببات أحداث تونس ليقضى على الفتنة فى مهدها ويتجنب حدوثها.
المعلومات التى ركز عليها دينامو عقل الحكومة أن انتحار بو العزيزى حرقاً بسبب مصادرة الأمن لعربة خضار كان يتعيش منها، هو السبب الرئيسى للثورة.. وعلى طريقة فرعون مصر عندما قتل كل الأطفال فى عام معين، تجنباً لظهور ثائر تنبأت به العرفات سيولد فى هذا العام، قررت الحكومة المصرية عدم مواجهة أى بلطجى أو منحرف أو سلوك عشوائى فى الشارع حتى لا يكون سبباً فى الثورة عليها.. ولم تدرك الحكومة أن بو العزيزيى لم يكن بلطجياً ولا منحرفاً، وإنما هو صاحب مشروع صغير يوفر له الحد الأدنى من الحياة والاستقرار والرضا.. المشكلة أن الحكومة التونسية والأمن التونسى لم يدرك بغباء الطغاه أن المشروعات الصغيرة هى منفذ ومتنفس لكثير من ضحايا انهيار التنمية والاقتصاد.. وهو تماماً نفس غباء حكومتنا التى رأت أن الانفلات الأمنى وعشوائية المشروعات وعدم وضع سياق قانونى لها هو متنفس للناس وحماية لها من ثورتهم.
الحقيقة أن الانفلات الأمنى فى الشارع المصرى وعدم انتشار الأمان وإصرار الحكومة على دفع الناس لحل مشاكلهم تجاه مشروعات عشوائية غير منظمة مثل الباعة الجائلين وسائقى التكاتك وغيرهم هو النذير بثورة قادمة.
الحل هو المزيد من الأمان والهدوء والانضباط فى الشارع المصرى.. والانضباط الأمنى ليس بالعنف والاعتقال ومواجهة المعارضين بالسحل، وإنما بتوفير وتنظيم وسائل وسبل العيش، والاتجاه لمشروعات تنمية وطنية حقيقية وإطلاق حرية التعبير والعمل السياسى.. لكنى أعود وأقسم لكم بالتلاتة أن هذا لن يحدث فى ظل حكومة ونظام يسيطر عليه رجال أعمال فاسدون أعماهم طمعهم ونهمهم عن التنازل عن جزء من ثروتهم، التى جمعوها من لحوم البشر، لشراء صمام أمان لهم من ثورة مقبلة.. هنيئاً لنا بغبائكم.