كتبت منذ أكثر من عام عن الفنانة العظيمة شادية، وقلت وقتها إنه ليس شرطا أن نكتب عنها فى مناسبة ما، فهى تستحق الكتابة فى أى وقت، لكننى هذه المرة أكتب عنها بمناسبة كتاب جديد "شادية معبودة الجماهير" للصديق الموهوب سامى كمال الدين.
يرصد الكتاب مسيرة الفنانة الكبيرة منذ نشأتها، ويبدأ بمقدمة جميلة للكاتبة الكبيرة سناء البيسى، تؤكد فيها أن ما حققته شادية من نجاح فنى على جميع المستويات لم يزل يتمثل فى إقبال الناس على فنها، وتقول البيسى إنها عندما توجهت للبحث عن شرائطها بعد هذا العمر من التوارى والاعتزال وجدت أرفف المكتبات الموسيقية شاغرة تفصح عن إقبال دائم وحب مقيم من جمهورها الذى لا يغيب عنها.
ومن رحلتها منذ الطفولة إلى مجدها فى الغناء والتمثيل ثم اعتزالها الغناء، يرصد الكتاب رحلة شادية الثرية، والتى لا تقف عند مجرد رصد حياة فنانة كبيرة بحجمها، وإنما تمتد إلى المناخ العام الذى أعطت فيه شادية، فهى مثلا صعدت فى زمن كان الفنان فيه يبحث عن وعاء ثقافى يثقله وينمى قدراته، ولهذا كانت علاقتها الوطيدة مع الكاتب الصحفى الراحل مصطفى أمين ومع الكاتب الصحفى الساخر الكبير أحمد رجب أمد الله فى عمره.
شادية التى قدمت للسينما نحو 118 فيلما، وللغناء مئات الأغنيات وللإذاعة نحو 10 مسلسلات، اختارت الاعتزال فى عز مجدها منذ نحو ربع قرن، ويأتى الكتاب بقصة اعتزالها كاملة، نقلا عن الكاتب الصحفى والناقد المحترم محمد سعيد، وتبدأ القصة حين انتهت شادية فى آخر حفلاتها وبعد غنائها: "خد بإيدى"، لتجد نفسها تقبل على شىء لا تعرف كنهه، فهاتفت الدكتور مصطفى محمود صديقها المقرب، واشتكت له مرورها بحالة غريبة تمثلت فى أنه بعد اتفاقها على أغنية عن أم النبى صلى الله عليه وسلم، وجدت نفسها لا تريد الغناء، وأرسل لها حسين كمال المخرج السينمائى سيناريو فيلم، لكنها لم تستطع قراءته، فأجابها مصطفى محمود بأن الذى يفيدها فى هذا الأمر هو فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوي، واتصل مصطفى محمود بالشيخ الشعراوى الذى استغرب عما تريده الممثلة والمطربة شادية منه، وحدد لها موعدا فى الساعة 11 صباحا قبل صلاة الجمعة، واستمع إليها، ليقول لها إنه سيكون لها شأن آخر أعظم مما فيه، فكان قرارها أن تحتجب.
يقدم الكتاب شهادات هامة من فنانين عملوا مع شادية، كما يأتى بحوار إذاعى جميل بين شادية وأنيس منصور تم إذاعته فى الستينيات من القرن الماضى فى برنامج "ليالى الشرق" من إعداد عصام بصيلة، ومن صفحة إلى أخرى سيجد من يقلب صفحات الكتاب أن الوقوع فى غرام شادية لا يأتى من فراغ، فهى صاحبة صوت ملائكى تتجلى عبقريته فى كل أغانيها، "قولوا له عين الشمس ما تحماشى"، و"قالى الوداع" و"همس الحب" و"آخر ليلة" و"مكسوفة" و"بوست القمر"، أما أغنيتها "غاب القمر" فهى عندى من أجمل الأغنيات العربية، وأخيرا، أغنيتها "يا حبيبتى يا مصر"، فتبقى خالدة خلود مصر.