هل نحن مقبلون على موجة تفكيك جغرافى للدول العربية؟ وبسؤال أوضح: هل سيشهد القرن الـ 21 تقسيماً لدول عربية على أساس عرقى؟
السؤال مطروح، بعد أن أكدت المؤشرات الأولى للاستفتاء على انفصال جنوب السودان، أن خيار الجنوبيين هو الانفصال عن الشمال، وهو الأمر الذى سيزيد من عزم أصحاب دعاوى التقسيم فى طول الوطن العربى وعرضه، وتجد هذه الدعاوى مناخها الخصب فى ظل غياب مشروع عربى للنهضة، ويزداد تأثيرها فى بعض الدول العربية بسبب المشاكل الطائفية والعرقية والفشل الاقتصادى.
وقبل سنوات، وبالتحديد فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى، أطل حديث تقسيم الدول العربية برأسه، وكان ذلك مؤشراً على بدء مراسم الدفن للدعاوى الملتهبة للوحدة العربية التى حلمت بها أجيال عربية، ومع بدء الحرب الأهلية فى لبنان شاع الحديث عن مخطط يستهدف تقسيم الوطن العربى إلى دويلات صغيرة، وفقا لمخطط أمريكى صهيونى، وشاع فى الأدبيات السياسية، وإعلامنا العربى مصطلحات مثل "بلقنة المنطقة"، و"الكانتونات الصغيرة"، وتعنى تقسيم بعض الدول العربية إلى دويلات صغيرة، بما يحقق لإسرائيل القدرة على الهيمنة على المنطقة، لكن معظم النخب العربية الحاكمة كانت تستقبل مثل هذا الكلام باستخفاف، ظناً منها أن حدودها محصنة طالما هى بعيدة عن إسرائيل كبؤرة صديدية فى المنطقة، تساهم فى مزيد من التفتيت العربى.
وفى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى، أذكر أن الأوساط الفكرية والسياسية العربية كانت تتداول وثيقة سرية صادرة من الخارجية الإسرائيلية، بعنوان: "استراتيجية إسرائيل فى الثمانينيات"، وكانت مخصصة للمنطقة العربية، وأشارت إلى العمل على تقسيم الدول العربية إلى أكثر من دولة، فالعراق يتم تقسيمه إلى ثلاث دول، شيعية فى الجنوب، وسنية فى الوسط، وكردية فى الشمال، وسوريا يتم تقسيمها إلى ثلاث دويلات على أساس طائفى، والجزائر إلى دولتين، واحدة للأمازيغ فى الجنوب، والثانية فى الشمال للعنصر العربى، ولبنان إلى دويلات صغيرة وفقا لطوائفها، أى دويلة درزية، وثانية سنية، وثالثة شيعية، ورابعة مسيحية، أما السودان فيتم تقسيمه إلى شمال، وجنوب، وشرق، وغرب، بحيث لا نرى سودانا كما كان فى الخرائط.
وتحدثت الوثيقة عن تقسيم السعودية إلى نجد والحجاز، أما عن الأردن فقالت إنه هو الوطن الطبيعى للفلسطينيين، بما يعنى تنظيف الأرض الفلسطينية تماما من أهلها، وهى سياسة الترانسفير التى تقوم على تهجير الفلسطينيين قسراً إلى الدول المجاورة، حتى يتحقق حلم الدولة اليهودية على الأرض الفلسطينية، وعن اليمن تحدثت الوثيقة عن ضرورة الإبقاء عليه مقسما بين شمالا وجنوبا، أما عن مصر، فتحدثت الورقة عن كيان مسيحى فى الجنوب، وشمالى للمسلمين.
ومع ملاحظة أن الثمانينيات مضت دون تحقيق هذه الاستراتيجية التى تحدثت عنها الورقة، بل شهدت التسعينيات وحدة اليمن شمالا وجنوبا، غير أننا الآن فى عام 2011، نرى أول تفكيك لدولة عربية هى السودان، ويتم الحديث عن دولة كردية فى شمال العراق، ويعود الحديث فى اليمن إلى التقسيم، وتشرع إسرائيل لأن تصبح دولة يهودية خالصة، فهل يعنى ذلك أن "استراتيجية الثمانينيات" بدأت طريق التنفيذ بعد 30 عاماً من وضعها، وبأيد العرب أنفسهم؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة