د. بليغ حمدى

شتاء الغضب

الإثنين، 24 يناير 2011 02:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر.. بيت من الشعر العربى الذى غدا عربياً يوماً من الأيام جاء على لسان شاعر عربى رصين هو أبو القاسم الشابى ابن السادسة والعشرين ربيعاً، بيت من الشعر نظم بتونس الخضراء، التى صارت بين عشية وضحاها دولة حمراء بلون الدم، وسوداء برائحة الكراهية والبغضاء.

أسابيع من الغضب فى الشارع التونسى، خرج الشيخ والشاب والرجل والمرأة وربما الطفل ذو الوجه المدبب نحو طرقات اعتادوا السير فيها وهم فرحون، لكن هذه المرة خرجوا يحملون مشاعر مضطرمة، ربما كانت أيضاً مضطربة، كانت ثورة شعبية وكلمة شعبية هنا تحمل مفردات الفوضى تارة، ومفردات الوعى الجمعى تارة أخرى، مسفرة عن ذلك إلى الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن على، ذلك الرئيس الذى طالما أحب مصر يوماً وأحبته أعواماً.

والغريب فيما حدث بالخضراء ليس من منطلق الإطاحة برئيس عربى غادر وأسرته علانية وطنه ومسقط رأسه محلقاً فى الفضاء متمنياً قبول أية دولة استضافته وحق رعايته فيها، لكن هذا الكم الرهيب من التصريحات والتنديدات التى تصف الرئيس المخلوع بالاستبداد والقهر واستخدام القمع وشيوع الفساد والرشوة، وأنه رئيس مفروض على شعبه رغم فوزه فى الاستفتاء الأخير ببلاده وسط ترحيب وقبول ورغبة من شعبه. فأين كان هذا الود وأين ذهب بعيداً ليلة أمس؟.

الأغرب حقاً هو ردود فعل بعض الدول التى بدت مناصرة ومؤيدة للنظام الحاكم بتونس الخضراء، وعلى رأسها فرنسا، التى كنا ولازلنا نؤيد أن تونس والجزائر إحدى المستعمرات الفرنسية فى الشرق الأوسط، فالرئيس الفرنسى ساركوزى لم يبد حقاً قلقه بشأن من يجرى فى تونس بقدر ما عبر عن ارتياحه فى حق الشعوب فى اختيار مصيرها وتحديد زعيمها.

وحقيقة الأمر فى تونس لا تفزعنا، بقدر ما تجعلنا نقف صادقين أمام أنفسنا، وأن نجتهد قليلاً فى رصد ما يجرى بوطننا العربى الجميل الذى كان يوماً من الأيام أغنية جميلة ساحرة، فثورة الشعوب على زعمائها أمر اعتدنا عليه منذ سنين ليست بقريبة، كما أن اتهام الزعماء بالفساد واستخدام السلطة بصورة خاطئة وفاسدة ليس بجديد أيضاً، لكن هذه الأيام الأحداث تتواتر بصورة مفاجئة وغريبة على مجتمعاتنا العربية، بين تقسيم وطن عظيم كالسودان وسط مشاهدة عربية سلبية متوقعة من معظم الدول، وبين اضطرابات حياتية تشهدها العاصمة الجزائرية، وبين انقلاب شعبى كاسح ضد الرئيس التونسى، مروراً بالاعتصامات المصرية، وحوادث الفتنة الطائفية الأخيرة.

ماذا جرى لك يا وطنى؟ لقد غابت شمس الثقافة عنك فغبت معها، نلتمس أطرافك وأطيافك فى الأفق، أصبحنا نفتش عن كل كلمة تحمل هوية عربية، وكل صورة تتسم بالطابع العربى الأصيل، فإن كنا اليوم نذهب بكرة وأصيلاً نندد بفساد بعض حكامنا العرب، ونصور كيف وصل ببعض شعوبنا العربية الأمر إلى حد الاسترقاق والاستبعاد الاجتماعى، فأين كنا منذ بدأ هذا الفساد يدب فى أواصرنا؟ ولماذا أصبحنا مسجونين فى فلك النظرية، ومهمومين بالإصدارات الورقية التى تتحدث بفجاجة عن التأصيل والتأويل والهوية التى باتت، والرؤية التى أصبحت، وغير ذلك من المفاهيم المجردة، والنتيجة غضب فى كل مكان دون التزام بعقد شراكتنا مع وطننا العربى الكبير.

لقد جاء قرار الإطاحة الشعبية بالرئيس التونسى زين العابدين بن على ناقوس خطر يدق دونما انقطاع، ونذير كارثة قد تتحقق بأى أرض عربية إذا وصل الأمر إلى حد الفساد، ولا أعلم هوسى بحكمة التى تقول: كلما سمعت كلمة حرية ألعنها، فكم من الحماقات والسخافات التى ترتكب باسم هذه الكلمة الساحرة.

ولشعبنا المصرى الجميل كلمة، انظروا ما يحدث بشوارع تونس التى كانت خضراء يوماً، وما أصابها من هوس التدمير والحرق والتخريب، وكأنها لم تكن يوماً أرضهم ووطنهم، ولعلها فرصة طيبة لنا أن نتحد ونتكاتف ضد أى نزاع داخلى أو خارجى يستهدف وحدة هذا الوطن القوى، أما تونس فربما ننتظر طويلاً حتى يخضر زرعها من جديد.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة