ستظل روح هذا الوطن فى يد شيوخه إن هم صلحوا مارست تلك الروح عمليات شهيقها وزفيرها بانتظام وهدوء ليزداد وجه الوطن ومستقبله إشراقا وحلاوة، وإن هم فسدوا أو خافوا شيئا آخر غير الله أطبق ضيق التنفس على الوطن وروحه وأصيب بكل أنواع التشنجات السياسة والفكرية والاجتماعية.
وبما أننا نعلم وبشكل يقينى أن مصر فى سنواتها الأخيرة مقيمة بشكل شبه دائم داخل غرفة العناية المركزة بسبب تلك التشنجات، فليس هناك داع إذن لأن أخبرك بحال شيوخها سواء كانوا من أصحاب العمم الأزهرية أو اللحى السلفية أو اللحية المودرن الخاصة بالدعاة الجدد، والجمع هنا مقصود ولا استثناء فيه لأنهم ببساطة سارعوا وتسابقوا وأقروا بأن المواطنين الذين أشعلوا فى أنفسهم النار اعتراضا على حالهم وحال الوطن ورغبة فى ثورة قد تتكرر كما حدث فى تونس كفار، ومصيرهم جهنم، دون حتى أن يتطوع أحدهم ويمسك بلحيته أو يستعدل عمته ويرفع يده ليدعو الله لهم بالرحمة التى علمونا ونحن صغار أنه لا شىء يجوز للميت سواها.
تحرك شيوخ مصر وكأنهم شعروا بنداء الدولة التى لم تجد شيئا لرد طوفان المولعين فى أنفسهم بالجاز أو البنزين سوى الدين، وقال الشيوخ ماقاله الدين فعلا دون تقويل أو تحريف فالمنتحر مصيره جهنم هكذا تعلمنا فى حصص الدين منذ سنوات الابتدائى، أى أن الأمر معلوم بالضرورة ويعلم شيوخنا ذلك، ولكنهم أحبوا التكرار لينقذوا أنفسهم من التطرق لأسئلة أخرى من نوعية، لماذا ينتحر هؤلاء المواطنين المؤمنين حرقا، وهم يعلمون أن مصير المنتحر النار؟ لأنهم لو سألوا السؤال سيجدون أنفسهم مضطرين لأن يقولوا كلمات الحق فى وجه السلطة الجائرة التى أجبرت المواطن على أن يولع فى نفسه، وشيوخ هذا الزمن لا ينتمون لهذا النوع الذى شهدته مصر فى سنواتها الماضية التى كان وجهها فيها أكثر إشراقا، ولم تعرف خلاله طريق غرف العناية المركزة وحتى عيادات الاستقبال.
مرة أخرى لا اعتراض على فتوى الشيوخ بخصوص المنتحر ولكن هل يؤمن شيوخنا ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، هل يؤمنون بأن المنتحر مصيره النار بينما من أوصلوا المنتحر إلى حافة الانتحار مصيرهم القصور وكراسى الحكم؟ ألم يشعر كل هؤلاء الذين يظهرون على الفضائيات الدينية وتصل لحاهم إلى الأرض وتبكى عيونهم أمام الكاميرات لإضافة لمسات الخشوع بالخجل لأنهم لم يخصصوا حلقات برامجهم لإدانة الحكام الظالمين والمسؤلين المرتشين وإخبارنا بمصيرهم الذى لا يختلف كثيرا عن مصير المنتحر؟ ألم يكن أولى بشيوخنا أن تنتفض عروق الرجولة والإخلاص فى أجسادهم ويعلنوا إدانتهم للدولة التى أوصلت مواطن بأن يقرر الموت حرقا وتحمل عذاب النار فى لحظات دنيته الأخيرة وهو يعلم تماما أنه سيذهب إلى نار أخرى أشد وأقسى؟.
قبل أن تضعوهم فى النار اسألوا أولا لماذا قرروا أن يحرقوا أنفسهم بها أولا، وادعوا لهم بالرحمة أفضل من أن تدعوا للمسئولين بدوام البقاء، واطلبوا لأنفسكم الغفران لأنه سيسألكم قبل أن يسألهم عن كلمات الحق فى أى جراب خبأتموها حينما كانت تطل وجوه الحكام عليكم، اطلبوا الغفران لأن الله سيسألكم بأى حق أفتيتم بحرمانية خروج الناس ضد الظلم، أخلصوا فى طلب الغفران لأن الله لا ينظر إلى اللحى والعمم ولا الجلاليب القصيرة ولا دموع شاشات الفضائيات الدينية.. فقط ينظر إلى القلوب.. وقلوبكم لم توقر كثيرا مما ألقيتموه على مسامع الناس من تعاليم دينهم!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة