باسل رمسيس

بوعزيزى الأسبانى وذاكرة النمل

الثلاثاء، 25 يناير 2011 04:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فلنتحدث عن "بوعزيزى" الأسبانى: عامل بناء اسمه "بيريه بويج"، عمره ٥٧ عاما، يعمل منذ سنوات فى شركة مقاولات، مالكاها هما رجل ستينى وابنه، بحجة الأزمة الاقتصادية، لم يحصل "بويج" طوال شهور على راتبه، أخيرا استطاع الحصول منهما على شيك بنكى بالراتب المستحق، ذهب إلى البنك لصرفه، فوجده دون رصيد، يبدو أن العاملين بالبنك قد سخروا منه، فى اليوم التالى، ١٥ ديسمبر الماضى، (يومين قبل أن يحرق بوعزيزى نفسه) ذهب إلى العمل ففوجئ بقرار فصله، توجه ببندقية صيد إلى المقهى الذى اعتاد أصحاب العمل الإفطار به، قتلهما، توجه إلى البنك وقتل اثنان من الموظفين، وذهب ليبحث عن الشرطة لتسليم نفسه.

شغلت قضية "بويج" الإعلام الإسبانى ما لا يزيد عن ٢٤ ساعة، وخمدت، تم نسيانها رغم حالة الاحتقان الاجتماعى والاقتصادى المسيطرة على المجتمع الأسباني، برغم البطالة التى تصل إلى عشرين بالمائة، رغم الاحتجاجات والإضرابات الأخيرة، وبرغم كل الإجراءات التى تتخذها حكومة الاشتراكيين الديمقراطيين لدعم وتحفيز الأغنياء، إلغاء إعانات البطالة، وتقليص مرتبات الموظفين ومحدودى الدخل، كانت محصلة هذه الساعات الأربع والعشرين، فى أغلبها، أن "بويج" مجرم ومجنون.هل يذكّر هذا الوصف القارئ بشىء؟

هل يتذكر قصة سليمان خاطر الذى وصف عام ١٩٨٦ بأنه مجنون؟ أيمن حسن الذى وصف عام ١٩٩١ بنفس الصفة؟ بمرتكبى حوادث الاعتداء على الأقباط؟ بالمنتحرين الجدد أمام مجلس الشعب؟

أعتقد بأن النمل يعانى من فقدان الذاكرة، وأعتقد أن حادثة "بويج" تم نسيانها لعدة عوامل، من ضمنها أن الذاكرة الأسبانية والمصرية تحولت لذاكرة نمل، ربما بسبب ثورة الاتصالات، ولنتأمل صفحات "الفيس بوك" على سبيل المثال، كيف يأتى حدث لينسينا ما قبله، تونس آنستنا الإسكندرية، والإسكندرية آنستنا الانتخابات الأخيرة، وصورنا فى الفيس بوك بعد أن كانت سوداء بسبب غزة، تغيرت لصالح البرادعى وكلمة التغيير، بعدها جاء الهلال مع الصليب، وبعدها علم تونس!!

هذا على مستوى الذاكرة، على مستوى تحليل الفعل، نجد أنه برغم أن ملايين البشر يمكنهم التوحد مع الفعل الاحتجاجى/العنيف/الانتقامى، سواء كان عن طريق قتل الذات أو الآخرين، إلا أنه يتم تسييد قراءة سطحية للحوادث الأخيرة، تتوقف عند مسألة هل القتل والانتحار حلال أم حرام.

لا أدعو ولا أبرر بالطبع أى نوع من أنواع العنف الفردى، فقط أدعو لتحليله وفهمه، بالرغم من تصورى بأن الانتحار هو اختيار شخصى، علينا تأمله والتوقف عنده باحترام أكثر، أيا كانت أسبابه.

من يتحدثون عن الحلال والحرام فى حالة الانتحار، يتجاهلون أن توظيف السلطة الدينية، مسيحية أو مسلمة، كماكينة لتفصيل الفتاوى التى تحمى النظام غالبا، وتحرض عليه نادرا، من الممكن اعتباره حراما أيضا.

وماذا عن الفتاوى التى تبرر "العمليات الاستشهادية/ الانتحارية، إذا كان هدفها هو الأعداء الصهاينة؟ وهى عمليات تحمل فى جوهرها الفعلين، قتل الذات والآخر، غالبا ما تتم تسمية الإسرائيليين فى هذه الفتاوى باليهود، وليس بالصهاينة!! هل الحكام المحليون الذين خصصوا كل جهودهم خلال عقود لسرقتنا، استغلالنا، قهرنا وقتلنا ليسوا أعداء أيضا؟

تم نسيان "بويج" الأسبانى مثلما سوف يتم نسيان المنتحرين المصريين، بينما فى الحالة التونسية كان الوضع مختلفا، "بوعزيزى" انتحر فى مجتمع مهيأ لتلقى هذا الانتحار كإشارة، وتحويله لانتفاضة شعبية وجماعية ضد النظام لم تندلع لأن النظام فى تونس أكثر استبدادا من مصر، مثلما يشير البعض، ولم تندلع فقط لفساد أسرة بن على، بل لأن هذا المجتمع كان ناضجا على المستوى الاجتماعى، المطلبى، والنضالى لإنتاج انتفاضته.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة