على ألسنة الناس سؤال، هو: ماذا لو تفجرت الثورة التونسية قبل انتخابات مجلس الشعب الأخيرة؟، والإجابة التى تسمعها هى: «الحكومة وقيادات الحزب الوطنى كانوا سيضطرون آسفين إلى إضفاء قدر من النزاهة عليها، يسمح بوجود تمثيل برلمانى أكبر للمعارضة والمستقلين».
ولا أجازف بالقول إن هذه القضية فرضت نفسها على دوائر معنية فى الدولة، والدليل أن أصحاب السيناريو الكريه الذى تمت به الانتخابات لم يظهروا ولم يتحدثوا أمام الرأى العام، تعليقا على الثورة التونسية، وتصدى لهذه المهمة قيادات لم تتورط بشكل مباشر فى تنفيذ سيناريو الانتخابات الكريه، وأتوقع أن هذا الغياب تم بتوجيهات سياسية من دوائر عليا لديها علم بمقدار الإحباط الكبير الذى عاش فيه الناس بعد نتائج الانتخابات التى سدت كل منافذ التغيير السلمى.
والملاحظ أن غياب أصحاب هذا السيناريو لم يرتبط بأحداث الثورة التونسية ونجاحها وفقط، وإنما بدأ منذ أحداث التفجير الإرهابى أمام كنيسة القديسين فى الإسكندرية مطلع الشهر الجارى، وهو الحادث الذى بدا فيه الحزب الوطنى عاريا، فبينما كانت بعض قياداته مشغولة بإقناع الرأى العام بأن فوز الحزب بالانتخابات جاء نتيجة جهد مضن فى التخطيط والتنفيذ، وجاء نتيجة سياسات ناجحة نفذتها الحكومة على مدار السنوات القليلة الماضية، فاجأ حادث «القديسين» الجميع ليؤكد أن الديمقراطية الصحيحة كفيلة بمواجهة خطر الفتنة الطائفية، وأن مواجهة الإرهاب تحتاج إلى تضافر شعبى ينصهر فيه الجميع، وإذا كان الحزب الوطنى وحكومته قد لفظوا الجميع معارضة ومستقلين فى الانتخابات، فكيف سيطلبون ممن لفظوهم النزول معهم فى خندق واحد لمواجهة هذا الخطر الذى يطل برأسه بين الحين والآخر؟.
وقبل أن يستعد أصحاب سيناريو الانتخابات الكريه للإمساك بزمام المبادرة بعد خفوت الحديث عن جريمة «القديسين»، جاءتهم مفاجأة انفجار الثورة التونسية وتوهج شعلتها حتى أضاءت أرجاء الوطن العربى كله، ولأن أسباب هذه الثورة تنوعت بين فساد الحكم واستبداده، وهيمنة حزب وحيد على الحكم هو حزب التجمع الدستورى، ونفى هذا الحزب لكل القوى السياسية الأخرى، وتصميمه على تزوير الانتخابات، وبذل كل جهده فى إقناع العالم كله بعكس ما يفعل.
أقول إنه من المؤكد أن كل هذه الأسباب التى فجرت الثورة التونسية، حضرت بقوة لدى المعنيين فى مصر، فأعطوا التعليمات لأصحاب «السيناريو الكريه» بالاستمرار فى عدم الظهور، فبالإضافة إلى أنهم ليس لديهم حجة قوية يقنعون بها الناس بأن ما حدث فى تونس لن يتكرر فى مصر، هم أيضا السبب الرئيسى فى تزييف إرادة الناس فى الانتخابات، ويمارسون ذلك بعنجهية كبيرة يريدون منها التأكيد على أن مصر مصرهم وحدهم، وعلى غالبية الشعب المصرى أن يسلم أمره لله وحده.
والسؤال: هل يستمر غياب أصحاب «السيناريو الكريه»، أم أنهم فى هدنة مؤقتة يعودون بعدها إلى مضايقة المصريين؟.