واقع الحال يؤكد حاجة مصر إلى حكومة إنقاذ عاجلة لإطفاء الحرائق المشتعلة فى كل اتجاه.. حالات الانتحار تتزايد وحركات الاحتجاجات تتصاعد وأزمات الفقر والبطالة والغلاء تبدو بلا حل، فى ظل وجود حكومة تتبنى سياسات يغيب عنها البعد الاجتماعى رغم سيل التصريحات المتدفقة يوميا بمراعاة الفقراء ومحدودى الدخل.
التسونامى التونسى دق بعنف جرس الإنذار والحالة البوعزيزية سادت وانتشرت فى الشارع المصرى والعربى، وفى اعتقادى أنها ستستمر طالما استمرت الحكومة فى انتهاج سياسات منحازة لرجال الأعمال وأصحاب الثروات دون مردود يشعر بها رجل الشارع العادى، وأدت إلى توسيع الهوة بين الشرائح الاجتماعية وزيادة معدلات الفقر والبطالة.
الرؤساء والقادة فى قمة شرم الشيخ الاقتصادية الأخيرة أقروا بالخطر المحدق بالأمن الوطنى لكافة الدول العربية بعد "ثورة تونس"، فالفقر والجوع والبطالة والفساد هى الحرب المدمرة القادمة على وجه السرعة والمطلوب سياسات جديدة تنحاز للسواد الأعظم من الشعوب التى ضجت وانفجرت واحترقت وبلغ بها اليأس ذروته ولن ينفع معها كلمات التهدئة والخداع.
نحتاج حكومة حرب إذن أو حكومة الإعداد للحرب ضد البطالة والفقر والانحياز بسياسات تعيد بوصلة الاهتمام مرة أخرى بالفقراء وتركز على احتياجاتهم الأساسية من تعليم حكومى حقيقى وعلاج مجانى وتوفير فرص العمل الحقيقية والتحكم فى الأسعار ومواجهه الفساد المالى والإدارى المستشرى وتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة للفاسدين والمفسدين.
لن يتحقق ذلك فى ظل حكومة كل همها استفزاز الناس ولا ترى للفقر أثرا فى حياة المصريين ما داموا يركبون السيارات ويستهلكون مكيفات الهواء ويلحقون أبناءهم بالمدارس الخاصة وتعلن عدم فتح اعتمادات مالية إضافية لدعم السلع الغذائية وتفضل استيراد عمال من بنجلاديش على العمالة المصرية.
مصر جربت من قبل وزارة الإعداد لحرب أكتوبر وكانت وزارة يسارية التوجه واستدعى الرئيس الراحل أنور السادات الدكتور عزيز صدقى أبو الصناعة لتشكيل الحكومة بغرض تجهيز الدولة لدخول حرب 73 كانت مصر تعيش فى ظل حصار اقتصادى والوضع الاقتصادى فى مجمله كان سيئا وكانت مهمة الوزارة التى أطلق عليها البعض فيما بعد "حكومة الشيوعيين" تهيئة الأوضاع اقتصاديا واجتماعيا للحرب ضمت الوزارة وزراء من النوعية العلمية والعملية الفريدة، والتى لم تتكرر كثيرا فى الحكومات المصرية المتعاقبة، وخاصة بعد صعود الحزب الوطنى على منصة الحكم، مثل الدكتور إسماعيل صبرى عبد الله وزير التخطيط الأسبق والدكتور فؤاد مرسى وزير التموين والتجارة الداخلية والدكتور يحيى الجمل وزير الدولة للشئون مجلس الوزراء والتنمية الإدارية وهم من المحسوبين على التيار القومى واليسارى.
وكما ذكر الدكتور عزيز صدقى - رحمه الله – "توصلنا إلى أن ننتج بما يجعلنا نستمر فى الاعتماد على أنفسنا لمدة 4 أشهر دون استيراد حتى ولو شمعة من الخارج، والأهم أن كل هذا تم دون أن يشعر الشعب بأى شىء.. لم تكن هناك بطاقة.. أو طابور.. كانت الخطة الموضوعة هى الاعتماد على طاقتنا المحلية فى توفير كل الاحتياجات وعمل مخزون استراتيجى للسلع بالشكل الذى أدخلنا الحرب وخرجنا منها دون حدوث أى أزمات داخلية.. حققنا بهذا الأمن الاقتصادى".
نجحت حكومة عزيز صدقى فى إعداد مصر للحرب فى أقل من 15 شهرا وفشلت كل حكومات السلام فى مواجهة البطالة والفقر والغلاء.