لم يكن بابا الفاتيكان موفقا عندما اعتبر حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية اعتداء موجهاً من المسلمين على المسيحيين فى مصر، فهو تصريح أقل ما يمكن أن يوصف به أنه بعيد عن الحقيقة وتنقصه المعلومات الأساسية، ولا يليق أن يصدر بنقصه وعواره عن شخصية دينية كبرى، كما لم يكن البابا بنديكتوس السادس عشر موفقاً أيضا عندما طالب قادة العالم بضرورة التدخل لحماية الأقباط، لأن حادث كنيسة القديسين لم يكن موجهاً للأقباط فقط، بل إلى المجتمع المصرى كله، وهو ما ظهر جلياً بعد الحادث كرد فعل فورى وتلقائى لكافة المصريين، فلم يكن التوافق والتلاحم بين عناصر المجتمع مسلمين وأقباطا، متجليا وظاهرا، منذ سنوات، مثلما كان عليه بعد الحادث البشع.
الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر اعتبر تصريحات بابا الفاتيكان تدخلاً غير مقبول فى الشأن المصرى، وعليه، قرر مجمع البحوث الإسلامية فى جلسته طارئة تجميد الحوار بين الأزهر والفاتيكان إلى أجل غير مسمى، فهل كان قرار المجمع هو القرار الصائب؟ المجمع أكد فى بيان له أن القرار جاء نتيجة تعرض بابا الفاتيكان للإسلام بشكل سلبى أكثر من مرة، وتأكيده بغير حق على أن المسلمين يضطهدون الآخرين الذين يعيشون معهم فى مصر وغيرها من بلدان الشرق الأوسط، ومن ثم أوقف اجتماع لجنة الحوار مع الفاتيكان، والتى تأسست بهدف تقريب وجهات النظر، وتكريس فكرة التسامح والحوار بين أصحاب الديانات المختلفة، واستعراض ما يتعلق بالتعاون بين الجانبين مرتين سنويا.
طيب، إذا كان بابا الفاتيكان يصدر عن معلومات منقوصة، أو يتجه إلى الانحياز والتطرف فى التعامل مع خطر الإرهاب الذى نعانى منه، مع غيرنا من البلاد فى منطقة الشرق الأوسط، أليس ذلك أجدى باستمرار الحوار بين الأزهر والفاتيكان؟ وماذا عن موقف الكنائس المصرية من هذا الخلاف؟ الكنائس المصرية مع استمرار الحوار مع الفاتيكان، وإن اختلفت الكنيسة الأرثوذكسية مع الفاتيكان بشأن ما أعلنه حول تعداد أقباط مصر، والأزهر أعلن عن تدشين لجنة أطلق عليها اسم "بيت العائلة المصرية" تضم الفضلاء والعقلاء من الأزهر والكنيسة، تجتمع أسبوعياً اعتباراً من الأسبوع المقبل، مشيرا إلى أن هذه اللجنة ستوجه حديثها للمصريين من أجل توضيح سماحة الإسلام تجاه أصحاب الديانات الأخرى، وكذلك ستوضح سماحة المسيحية، الأمر الذى يشبه خطاب التلفزيونات العربية، كلما تعرضت الأنظمة إلى اتهامات وهجوم فى العالم، ارتفعت النبرة الوطنية المدافعة وتوجهت إلى الداخل القطيعة لن تفيد، ولن تمنع الفاتيكان من مواصلة هجومه واتهاماته على الإسلام والمسلمين، لكنه الحوار فقط والمصارحة بين الجانبين بما يجب أن يقال على الملأ كيلا نصب مزيداً من الوقود على النار، أما التشنج والمواقف الثورية، فلن تنتج سوى تشنجا وثورية على الضفة المقابلة للبحر المتوسط.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة