كأنهم أجهزة تسجيل أو ببغاوات، جاهزون لإعلان رد الفعل السريع تجاه الحدث، وإطلاق مبادرات بلا توقف. رسميا لجان تقصى حقائق والإعلان عن تعويضات ولقاءات تبادل السلامات، سياسيا بيانات شجب وإدانة ومزايدات فارغة، ومبادرات للتصوير التلفزيونى، أما الطائفية فليس لها علاج.
أول رد فعل لمجلس الشعب تجاه تفجيرات كنيسة القديسين هو تشكيل لجنة تقصى حقائق، تذهب إلى الإسكندرية للوقوف على تفاصيل الأحداث، اللجنة مكونة من أعضاء فى مجلس الشعب احتلوا مواقعهم بالكثير من العنف والبلطجة وتقفيل اللجان والصناديق.
لجان تقصى الحقائق يفترض أن تكون محايدة تبحث عن العدل بصرف النظر عما يجرى وعن التوازنات، لكن لجنة المجلس الموقر سوف تذهب وتعود لتقدم تقريرا سوف يناقشه المجلس ويصدر بيانا ويقدم تعازى وتوصيات لأهالى شهداء كنيسة القديسين، وينتهى دور اللجنة فى تقصى الحقائق لأنها لن تتقصى ولن تصل لشىء.
فى يناير الماضى تشكلت لجنة لتقصى الحقائق ذهبت إلى نجع حمادى وعادت، وقدمت تقريرا وتمت مناقشته ونسيانه، مثلما نسيت قضية اغتيال المسيحيين أمام كنيسة نجع حمادى يوم عيد الميلاد، والتى ما تزال حتى الآن معروضة أمام محكمة الجنايات، هناك متهمون حاضرون ومتهمون غائبون، ومتهمون بالتحريض هم الأخطر.
لجان تقصى الحقائق مثل اجتماعات الوحدة الوطنية لا تتجاوز تطييب الخواطر وتقبيل اللحى وتقديم عزاء بارد لأهالى الضحايا، وحتى لو حاول أى طرف إثارة الحقائق سيواجه بالهجوم مثلما حدث مع النائبة السابقة جورجيت قليينى التى هاجمها الغول لأنها اتهمت أطرافا بالتحريض.
جريمة رأس السنة ضد المسيحيين فى الإسكندرية، ربما قام بها تنظيم إرهابى، خارجى أو داخلى، لكن وراءها شهور من الشحن وعشرات التصريحات والمواقف والبرامج التى تنشر الكراهية وتسمم الهواء، وبعض هؤلاء سارع باتهام جهات خارجية ولم ينظروا إلى مشاهد الدم فى أيديهم، لم يسألوا أنفسهم عن جدوى إثبات أن المسيحيين أقل عددا، دون أن تشغلهم المواطنة أو العدالة.. هناك مظاهرات ينظمها متطرفون يتحدثون عن أسيرات فى الأديرة، فيردد وراءهم تنظيم القاعدة المزعوم بمعلومات مغلوطة، فمن منهم فجر فتيل القنبلة فى رأس السنة، وهل يمكن للجنة تقصى الحقائق أن تعترف بان وراء التفجيرات بيانات ومظاهرات نظمها متعصبون نشرت الكراهية، وسممت الأجواء، هل يمكن للجان تقصى الحقائق أن تعترف بخطورة تلك الشحنات على عقول شباب عاطل ومحبط.
إذا افترضنا أن تفجيرات كنيسة القديسين عمل إرهابى فهو عمل يقوم على رؤية طائفية وعرقية، ترفضها الأديان لكن العنصريين والطائفيين لهم دينهم الذى يصور لهم أنهم الأفضل، وحتى لو كان هؤلاء أقلية فإنهم قابلين للتأثر والانفجار.
لو كانت لجان تقصى الحقائق تقوم بعمل نافع لكانت لجنة نجع حمادى أفادت وقبلها لجنة العطيفى التى كتبت تقريرا وأصدرت توصيات عجزت كل الحكومات عن تنفيذها، لأنها كانت تتحدث عن المساواة والعدل وبناء دور العبادة، وقد تبدو الدعوة للديموقراطية أو المساواة أو العدالة نوع من الترف لكنها فى الواقع هى الحل لأن هؤلاء الممثلين البرلمانيين يمثلون دورا ولا يمثلون شعبا، كثيرون منهم اعتلوا مواقعهم بالتعيين أو التزوير أو التلاعب.
وليس أكثر إثارة للدهشة من هؤلاء الذين يواصلون إصدار بيانات شجب وإدانة ومديح فى حلاوة الوحدة الوطنية، أو يسارع الواحد منهم بتقديم مبادرة لزوم الشو، لا فرق بين مبادرة لمواجهة الطائفية أو مبادرة لمواجهة التدخين، المهم أن يبقى فى الصورة وهو يبتسم أو يمصمص الشفاه، مثلما تفعل لجان تقصى الحقائق التى تتحدث فى كل شىء إلا الطائفية وتتهم أى شخص إلا المتهمين، وبعضهم متهم، تنتهى من تقريرها وتذهب للنوم، ونلتقى بعد الانفجار القادم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة