لا أعرف إن كانت صورة البابا شنودة فى حضن شيخ الأزهر أو صورة شيخ الأزهر فى حضن البابا شنودة –علشان محدش يزعل- مازالت صالحة أم لا لمواجهة الفتن الطائفية أو ترميم مافى جدار الوحدة الوطنية من شروخ اتساعها يكفى لتسريب ثعابين الخارج وعقارب الداخل أو أى حاملات لسم التفرقة والخلاف.
أنا عن نفسى أراها منذ سنوات صورة غير واضحة الكادر التقطها مصور أفراح هاو وقام بأدوار البطولة فيها ممثلون كومبارس، يفشلون فى إقناع المشاهدين كل مرة بأن الأمور تمام التمام لأن المشاهدين سبقوا وإن شاهدوا بأعينهم وعاشوا بأنفسهم تفاصيل الفتنة الحقيقية وهى تنمو أسفل كل مئذنة وكل قبة كنيسة، وهل يمكن لعاقل أن تذهب صورة مصطعنة بعقله وتجعله سكرانًا من نشوى الحديث عن الوحدة الوطنية وهو قد سمع بنفسه خطابا دينيا داخل المسجد يتحدث عن النصارى الكفرة والقساوسة الذين يلبسون الأسود حزنا على مصر التى غزاها الإسلام، أو خطابا مثله داخل الكنيسة يتحدث عن المسلمين الكفرة الأغلبية المفترين الذين اغتصبوا مصر ويسعون لهدم الكنائس على رءوسهم..
لا تتهمنى بالمبالغة أرجوك.. وكن صادقا مع نفسك وأقر بأن هذا مايقوله المشايخ والقساوسة فى دور عبادتنا اليوم أو فى شرائط الكاسيت وسى ديهات الكمبيوتر التى أصبحت الراعى الرسمى للدين فى مصر الآن، كن صادقا مع نفسك واعترف بأن هذه الكلمات والاتهامات هى الأكثر تداولا فى كثير من مساجد وكنائس مصر التى سيطر عليها رجال دين متطرفون ومتعصبون، كن صادقًا مع نفسك واعترف بتلك الحقيقة لأن الصدق والمواجهة هنا هما أول طريق القضاء على تلك الفتنة التى إن اشتعلت فلن تترك واحد فينا دون أن تكويه بنارها سواءا كان "داقق صليب" أو متحصنا بهلال.
فى الفقه الإسلامى ستجد آلاف النصوص التى تحدثك عن الاعتراف بالخطيئة الذى يتحول إلى باب سحرى وإلهى للإصلاح والصلاح، وفى الإنجيل أيضا ستجد آلافاً أخرى من النصوص وستجدها تخبرك بنفس الأمر أيضا عن الاعتراف الذى يتحول إلى شعلة تنير طريق النجاة، فى الدين الإسلامى والدين المسيحى ستجد آلاف الكلمات التى تتحدث عن السماحة وتقبل الآخر وفى بيوت المسلمين والمسيحيين ستجد هذه النصوص معلقة على الجدران وفى براويز صغيرة على ترابيزة السفرة والشوفنيرة والكومودينو ولكنك لن تجد لها وللأسف مكانا داخل القلوب.. فى القلوب ياسيدى ستجد فتاوى تحريم الاحتفال بالكريسماس والأكل مع الأقباط ومولاتهم ومواعظ المسمى بزكريا بطرس وتاريخ المسلمين مع السيف، فى القلوب ياسيدى ستجد احتقان الخناقات والصراعات الدائرة على النسوان التى أسلمت أو تنصرت أو المومس التى تسابق عليها مسلم ومسيحى فرضيت بالمسلم وأخرت المسيحى للدور اللى جاى، فى القلوب ياسيدى ستجد قصصًا عن الكنائس التى يجلس بها قساوسة عجائز بلحى طويلة يقهقهون قهقهة شريرة وهم يضعون خطط إفساد بنات الإسلام والمسلمين، وشيوخ بلحى طويلة أيضا ويقهقهون نفس القهقهة الشريرة وهم يضعون خطط إغواء فتيات الأقباط وخطفهن وأسلمتهن أو اغتصابهن إن أمكن..
هذه هى القلوب التى تصنع الفتنة، قلوب متعصبة بالفطرة أو أحالتها الخطابات الدينية، والضغوط الحكومية إلى حجارة قاسية لا تستقر ولا ترتاح إلا إذا شربت من دماء الفتنة التى تسيل أسهل من سيلان الماء فى قرى مصر التى لا تجد حنفية للشرب أو ماسورة للصرف الصحى ويتشارك همومها مسلمون ومسيحيون تتلازم أناتهم وأوجاعهم دون اتفاق مسبق أو تحضير لأى إعلان يخص الوحدة الوطنية.
أعرف أن هناك قلوبا مختلفة وأعرف أنها ربما تكون أكثر من تلك القلوب الغارقة فى سواد تعصبها، ولكنها العادة ياصديقى التى اعتادت أن تصدر لنا السيئ على أنه السائد وأرجوك لا تنظر إلى صديقك المسيحى، وأنت لا تنظر إلى صديقك المسلم وتسأل إذا كنت أنت وهو سمن على عسل فمن أين تأتى الفتنة إذن؟! أرجوك حاول أن تكون إيجابيًا وانشر سماحتك بين الجميع، حاول أن تكون إيجابيا واعترض داخل المسجد إن سمعت شيخًا جاهلا يمس أخاك المسيحى فى الوطن بسوء، حاول أن تكون إيجابيا واغضب داخل الكنيسة إن سمعت قسا جاهلا يمس أخاك المسلم بسوء.. حاول أن تكون إيجابيا وأخبر جمع المسلمين، وأنت أخبر جمع المسيحيين أن كل مسلم ليس بن لادن يرى الأقباط كفارًا وليس كل مسيحى زكريا بطرس يرى المسلمين فى النار.. أخبروا الجميع أن الوحدة الوطنية لا علاقة لها بالشعارات والأغانى التى ينشرها الإعلام بكثافة أثناء الأزمات، بل الوحدة الوطنية هى تلك القصص التى تملأ بيوتنا بالزيارات المتبادلة دون تكلف والمساندة فى المحن بدون تمثيل، وفتح الأذرع لاحتضان المصاب قبل النظر إلى يده والتحقق من وجود صليب أم لا، الوحدة الوطنية تكمن فى داخل كل حارة شهدت منازلها عمليات تبادل أطباق البسبوسة والمسقعة وصوانى الطعام علشان الكل يدوق، داخل كل بيت شهد عمليات تبادل للمفارش وكراسى السفرة وطقم الصينى حتى تتشرف أم خديجة أو أم ماريانا أمام العريس القادم، الوحدة الوطنية ليس موجودة فى شعارات التليفزيون وصحف الحكومة وصورة شيخ الأزهر فتلك هى الوحدة البلاستيك التى لا نريدها ولا نعرفها.. الوحدة الوطنية موجودة فى ذلك المصير المشترك الذى نواجهها وفى أسرة المستشفيات التى لا نجدها وفى الخضراوات التى نأكلها معا مروية بمياه صرفنا الصحى والمجارى وفى الأسعار التى تتعملق وتفترس مافى جيوبنا معا..
ابحث بنفسك ياسيدى عن الوحدة الوطنية الحقيقية وسوف تجد بداخلك ألف شكل وشكل لها، وابحث وستجد مليون شكل لوحدة ستدفعك لأن تتناول أقرب سكين بيدك لتطعن به جسد الفتنة ألف طعنة وجسد المتعصبين الذين يشعلونها ألف ألف طعنة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة