منتصف السبعينيات ظهرت الانتماءات الجغرافية بين المصريين، أهالى المنوفية حرضوا على الشراقوة، بينما حرض السوهاجية على أبناء الأقصر، كما حرض أهالى بحرى على أهالى الصعيد، تعقدت الظاهرة، فانضمت إليها الانتماءات الدينية، والرياضية أيضا.
نهاية السبعينات مثلا، دخلت توصيفات "احنا" على جمهور الأهلى، بينما خاطب الجمهور نفسه جمهور الزمالك بـ"أنتم"، فى ذلك الوقت، كانت الدولة قد اتخذت قراراها برفع الأذان لصلوات المسلمين خمس مرات يوميا على شاشات التليفزيون، فى ظاهرة وبادرة لم يلحظ المجتمع المصرى آثارها إلا بعد سنوات.
فى السبعينيات، وبسبق إصرار وترصد، وضعت الدولة أوراق الدين بين أدواتها، فلعبت به وبتياراته ومتطرفيه، وكان منطقيا بعد أربعين عاما أن يلعب الدين وتياراته ومتطرفوه.. بالدولة.
حادث كنيسة الإسكندرية مستورد من الخارج.. هذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن الذين فى الداخل ليسوا ملائكة.. ولا هم قديسون.
ما المعنى؟
المعنى أنه آن الأوان لخطوات أكثر جرأة، فالوقت قد حان للقضاء على ثعبان بدأ يتلوى رغم أنه مازال صغيرا وضئيلا، ولا يصعب على تعاويذ أقل الرفاعية حنكة وتدريبا.
السؤال: هل نحن مجمتع طائفى؟ الإجابة لم نبلغ حد الطائفية بعد، لكننا بدأنا الثلاثين عاما الأخيرة فى ارتداء ثوب التمييز الدينى، والتمييز هو باب الطائفية، أو هو الباب لمرحلة أخرى أوسع، وأكثر رحابة.
فى الساحات الواسعة، بدون قوانين، لا يمكن السيطرة على ما سوف يتحولون وفق ثقافة التمييز إلى متنافسين، فيرد المسلم بخمسة مساجد على كل كنيسة تحت الإنشاء، فى حين لن يكون أمام المسيحى إلا أن يرد بدوره بمزيد من التكتل فى الطريق لـ"جيتو".. أو مجتمع مغلق، وفى الطريق، سيقتصر التوظيف بمؤسسات اقتصادية معينة على الأقباط، قبل أن يتحول من هم مصريون فى الأساس للعزلة شيئا فشيئا، فتعود الأسماء الرومانية القبطية، مع تزايد طلبات الهجرة لنيوزيلندا واستراليا والولايات المتحدة وكندا للذين طهقوا وخرجوا، بينما تظل الغصة فى حلق الذين بقوا بالداخل .. وأرادوا أن يستمروا.
مظاهر التمييز فى مصر الأعوام الأربعين الأخيرة تتنامى، والمنتظر تغيير ثقافة مجمتع.
المطلوب، تغليظ العقوبات على الذين يضخون دماء عكرة من آن لآخر فتجد الصدى بسهولة، وبسرعة فى الشارع.. حتى وإن لم تبد آثار تلك العكارة إلا بعد فترة، المطلوب قوانين لمحاكمة مثيرى الفتنة، حتى لو كانوا من رجال الدين ذوى حيثية ووجاهة، والمطلوب قوانين لإطلاق بناء الكنائس، وتقنين تراخيص بناء المساجد، قبل قوانين أخرى لحفظ نسيج المصريين من البلى والابتلاء من العالم، لا تسمح دولة بمساجد عشوائية فى جراج أى عمارة حديثة، كما يحدث فى القاهرة والمحافظات.
من دول العالم لا تضم دولة كل مساجد الأهالى لوزاراتها بلا سبب ولا خطة ولا حتى تنسيق إلا نحن. من دول العالم لا يسمع الأقباط فى منازلهم أفظع التوصيفات من ميكروفونات المساجد آناء الليل وأطراف النهار كما يحدث عندنا.
فى مصر فقط، يتداول بعض أئمة الجوامع ما يقولون إنه من عند الله، فيزدرون غير المسلمين، ويمقتون غير المسلمين.. ولا يجلون إلا المسلمين دون ضابط ولا رابط.. إلا عندنا!
فى المقابل، ليس من دول العالم إلا نحن الذين تحولت كنائسهم إلى نواد ومدارس ومعسكرات كشفية، لتزيد الفجوة وينمو التحزب ويزيد.. دون أن ينتبه أحد.
لم تعد مظاهرات "الوحدة " مجدية، فلا الأقمشة التى رسموا عليها الصليب مع الهلال حل، ولا عادت الهتافات ضد الإرهاب الذى جاء من "الخارج"، وضرب "الداخل" باتت تصلح للتعاطى مع أزمة.
قبل عصر النهضة، وبعد إنهاء سيطرة الكنيسة، وفى طريقها للدولة العلمانية، أصدرت إنجلترا قانونا لمنع الأسماء الدينية، فقد رأى المجتمع هناك أن مجرد الأسماء تمييز، فالأطفال الذين أطلق عليهم أهاليهم أسماء القديسين كما لو كانوا "إشارات" إلى الفكر العقيدى، تلعب وتلهو بالشارع فى مجتمع يسعى للحرية والإنتاج والعلمانية.
أيقن الأوروبيون وقتها، أنه لن يكون الدين لله والوطن للجميع.. إلا فى دولة خالية من أية نعرات عرقية أو دينية.. وما قد يكون خطوة فى الطريق إلى هذا.. وهناك بدأوا من تجريم الأسماء الطائفية.. ومنعوا التلاعب بالدين!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة