أرادت نذر الشؤم أن تدنس أول أيام العام الجديد وأن تجعله يوما من أسود أيام مصر.. ذلك البلد الآمن الذى بات ينعى أبناءه الذين فاضت أرواحهم الطاهرة وهم يستقبلون أول أيام العام بين جدران كنيستهم، فمنحهم الله ملكوت السماوات.. فربحوا هم وخسرناهم نحن.
قبل كل شىء أود أن أسألكم أخوتى المصريين، أقباطا ومسلمين، هل ترون أن هذا السلوك الوحشى يمت بأى صلة لأى من طباعنا وأخلاقنا وأدياننا؟ ألا ترون أن هذا النبت الشيطانى الذى يسعى لضرب مصر هذا الكيان العظيم من الداخل هو نتاج مظاهر دخيلة عدة حولته من مجرد حلم شرير يتطلع إليه أعداء هذا البلد وعجزوا فى الماضى عن تحقيقه ثم لواقع ممكن التحقيق بعد أن وفرت لها تلك المظاهر البيئة الخصبة التى سمحت لهذا الحلم الآثم أن ينمو ويترعرع ويكبر لنحصد منه كل هذا الخراب؟!!!!
ودعونا نفند أجندة 2010 وما حوته من أحداث لنعرف أن ما شهدته الساعات الأولى من 2011 ليس إلا الحصاد المر لتلك الأحداث:
فى يناير 2010 شهدنا حادثة نجع حمادى الأليمة التى أودت بأرواح شباب قبطى مسالم كانوا يحتفلون بعيدهم فأرادت يد الغدر الشريرة أن تحصد أرواحهم فى يوم فرحتهم، صيف وخريف 2010، شهد موجات عارمة من المظاهرات على خلفية الادعاء بحبس مواطنة قبطية قسرا وإجبارها على التراجع عن إسلامها!!!!.. فى هذه القضية وعلى إثر الانفعال المبالغ فيه من قلة مسيسة ومدفوعة من قوى الإرهاب والغدر ظلت تنطلق أسبوعيا بعد كل صلاة الجمعة مظاهرات سبابة لعانة تنال من قيم ورموز قبطية لها مكانتها الدينية والدنيوية... بالله عليكم أيرضى أحد أن يتطاول الغوغاء على قداسة البابا شنودة الثالث بقيمته وقامته التى لا يطاوله فيها أحد والتى يجمع عليها المسلم قبل القبطى فى هذه الأرض الطيبة؟!!!!
نوفمبر 2010 وقعت حادثة العمرانية التى اصطدم فيها الجمود الروتينى الحكومى مع أعز ما يقدس القبطى فى حياته وهو الكنيسة، فخرج هذا عن شعوره وتمادى ذاك فى تعنته... كل هذا لأن هناك ما يسمى بقانون بناء دور العبادة ما زال حبيسا فى الأدراج منذ ما يزيد على العقدين من الزمان؟!!!
الحملة الصحافية والمنبرية المسعورة التى قادها صحفيون ودعاة حاولوا فيها ركوب الموجة متوهمين أن التعرض للأديان وسب الرموز كفيل أن يحقق لهم مجدا ومكانا على الساحة، فلم يجدوا مستمعا لهم سوى السوقة والغوغاء وبئس المستمعون هم.. وهنا، أود أن أقول للمتظاهرين الشتامين و للدعاة المحرضين وللصحفيين الغلاطين.. انظروا.. ها هى مصر تحصد جزاء ما زرعت أيديكم، واعلموا أنكم أنتم من فتحتم هذا الباب للقاعدة وأذنابها لكى تسفك دماء أبناءنا، وتأكدوا أن أيديكم غير بريئة من تلك الدماء التى سالت اليوم بالإسكندرية وبالأمس فى العمرانية ونجع حمادى وقبلها فى الكشح..
لقد أكد السيد الرئيس محمد حسنى مبارك زعامته لهذه الأمة فى الوقت الحاسم فقد كان لظهوره فى تلك اللحظات الدقيقة والعصيبة التى عاشتها مصر كلها بمثابة صمام أمان حال دون انفجار الوضع المتأزم، فأكد على مواساته لأبنائه من قبط مصر، وشدد على أن أمن مصر القومى يعد مسئوليته الأولى وتوعد الجناة، مؤكدا أنهم لن يفلتوا فى هذه المرة، لقد أدرك الرجل بحكمته أن أقباط كانوا بحاجة لأن يسمعوا ويسمع العالم هذه التطمينات التى هم وإن كانوا يدركوها جيدا، ولكن لأن المصاب كان فادحا فإن الأمر كان يستوجب التوكيد، كما يجب أن أحيى دور الأزهر الشريف – بيت الإسلام القويم - الذى كان أول من أصدر بيانا أدان فيه الحادث، وأكد على تضامنه مع الكنيسة المصرية فى وقفتها ضد الإرهاب الآثم.
لقد آن الأوان أن نضع خارطة طريق من شأنها سد كل الفتحات التى ينفذ لنا منها الإرهاب، محاولا شق صف هذه الأمة وتكدير التلاحم الاجتماعى الذى جمع مسلمو مصر وأقباطها قرونا طويلا، واسمحوا فى عجالة أن أعدد عدة نقاط من شأنها أن تمت أن ترد كيد الكائدين إلى نحورهم:
• سرعة البت فى قانون من شأنه تنظيم وتقنين بناء الكنائس بمصر بما لا يجعل هذه المسألة نقطة نقاش دائم فى كافة الإشكاليات القبطية بمصر.
• سرعة البت فى قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين بما ينفى التعارض ما بين القانون الكنسى المحدد لأصول الزواج والطلاق والقوانين الوضعية فى هذا الشأن.
• على الدعاة والصحفيين أن يدركوا أن مصر تمر بمرحلة دقيقة من تاريخها تحتاج لمن يجمع ولا يفرق، وأن من يريد أن يجادل أو يناقش أمور الدين عليه ألا يتعرض لعقائد الآخرين أو يتطاول على رموز لها قيمة سامية فى نفوس الأقباط، لقد رأيتم ما جره تحفيزكم لشباب لا يدرك خطورة ما يقدم عليه من نتائج جعلته ألعوبة فى يد القاعدة ومن شابهها، معتقداً أن أخوة القبطى هو عدوه وليس هناك من سبب وراء ذلك غير حديثكم غير المسئول... أقول الحق، لو أنكم صممتم على الاستمرار فى أفعالكم تلك فأنتم لا تقلون إثما عن هؤلاء الإرهابيين سافكى الدماء.
• وأخيرا.. على الأقباط فى كل أنحاء مصر أن يدركوا أن أخوتهم وأصدقائهم وجيرانهم من المسلمين تنفطر قلوبهم حزنا على شهداء كنائسنا الغاليين وأنهم ونحن إن تكاتفنا لن نترك لتلك الأيادى العابثة أن تلعب بنا أبداً... نعم أن المصاب جلل، ولكن علينا أن نعلى قيمة الوطن ونرتفع فوق أحزاننا لنقف كلنا صفا واحدا يستعصى على يد الإرهاب ومن يقف وراءه النفاذ منه.
رب احفظ مصر وأبناءها من كل شر.
* أمين عام جمعية محبى مصر السلام.