إذا التقيت هذه الأيام بأقاربك أو جلست مع أصدقائك أو دار نقاش مفتعل بينك وبين سائق تاكسى لكسر ملل الزحام، فالكلام لا يخرج عن دائرة ما يحدث فى مصر ويبدأ بالسؤال الحائر الذى يفتقد الإجابة حتى الآن «هوه فيه إيه، وريه اللى بيحصل والبلد رايحة على فين».. وفى النهاية تكتشف وبعد جدل محتدم واتهامات لكل أطراف اللعبة السياسية والمجلس العسكرى، أن الكل حائر وقلق «ومحدش فاهم حاجة خالص».. وليس هناك حل للمأزق الذى نعيشه إلا بالدعاء بأن «ربنا يستر..».
البسطاء من الناس من الأغلبية الصامتة أو «حزب الكنبة» كما سمتهم نخبة «المثقفين الثوار» تنتظر فى صبر نتائج المعركة الدائرة حاليا من قلب ميدان التحرير بين قوى سياسية وأحزاب وائتلافات وبين المجلس العسكرى، بعد أن تقلصت شعارات الثورة وأهدافها النبيلة فى التغيير الديمقراطى والعدالة الاجتماعية إلى مجرد معركة كسر عظام واستقواء واتهامات متبادلة بين الطرفين بإهدار أهم منجز إنسانى فى مصر حدث فى 25 يناير وحتى 11 فبراير أو هكذا أرادها البعض فى الجانبين. وهذه الأغلبية الصامتة مازال لديها الأمل فى الخروج من الأزمة حتى لا تفقد الثقة فى مجمل ما حدث.
هناك حالة جموح ثورى مشروع لديه الإصرار لتحقيق كل أهداف الثورة وفى وقت قليل، يقابله إدارة تقليدية مرتبكة وارتجالية لدفة الأمور فى البلاد بأدوات النظام القديم نفسه، وهو ما أدى فى النهاية إلى الشعور بأن الثورة يتم إجهاضها والالتفاف حولها بل وسرقتها، ولذلك توالت الاحتجاجات والمليونيات والتى كان آخرها بالأمس فى جمعة «استرداد الثورة».
الاسترداد يعنى أن هناك أصحاب حقوق وهناك سارق لهذه الحقوق. هذه هى الصورة الكئيبة التى وصل إليها الوضع الآن، ولا يبدو أن هناك حلا قريبا فى ظل حالة عدم الثقة والغموض والتشكك فى قرارات المجلس العسكرى ونواياه، وهو ما يدفع إلى تفاقم الأزمة وتضيع ملامح الرحلة إلى المستقبل التى يبدو من الواضح أن الاستعداد لها جاء دون إجراءات حقيقية «كما قال الأستاذ محمد حسنين هيكل».
والسؤال الذى يفرضه الواقع الآن هو «وماذا بعد.. وما الحل؟». الضرورة الوطنية تستلزم خروجا سريعا من الأزمة بإعادة تحصين الثورة وأهدافها ضد التشتت والضياع، وبإدارة عليها أن تعى أنها تحكم باسم الثورة وتعمل على تحقيق ما قامت من أجله.