«فى تلك السنوات الحالكة الطويلة تحول لهفى على حرية قومى إلى لهف على حرية كل الناس، البيض منهم والسود. كنت أعلم أن حاجة الظالم إلى الحرية، أمس من حاجة المظلوم. فالذى يسلب إنسانا حريته يصير هو نفسه أسيرا للكراهية والحقد. يعيش وراء قضبان التعصب وضيق الأفق.. إن الظلم يسلب كلا من الظالم والمظلوم حريته». كانت هذه هى كلمات «نيلسون مانديلا» الزعيم الجنوب أفريقى العظيم بعد أن انتصر على العنصرية والقمع.
وكانت أول كلماته بعد خروجه من السجن «أيها الأصدقاء. أيها الرفاق. يا مواطنى جنوب أفريقيا. أحييكم جميعا باسم السلام والديمقراطية والحرية للجميع. إننى لا أقف هنا أمامكم كنبى، ولكن كخادم متواضع يخدمكم أنتم يا أبناء هذا الشعب. إن تضحياتكم البطولية المتواصلة هى التى مكنتنى من الوقوف أمامكم اليوم. وعليه فإننى أضع ما تبقى من سنوات عمرى بين أيديكم».
لماذا نتذكر «مانديلا» الآن؟ لأننا بعد التخلص من نظام ظالم مازلنا نرى من بيننا من يصر على ممارسة الظلم والتمييز، لقد كانت العنصرية فى جنوب أفريقيا تمارسها الأقلية البيضاء ضد الأغلبية السوداء، ومع هذا استطاع أن يحرر شعبه، ليس فقط من العنصرية ولكن من الكراهية. أما نحن فليس لدينا أغلبية وأقلية بل شعب متجانس عانى أغلبيته من الظلم والتفرقة وتم استبعاد أبنائه لأنهم فقراء، لم تكن الواسطة ولا الفساد يفرقان بين مسلم ومسيحى ولا بين نوبى وسيناوى، ومع هذا وقبل أن تكتمل الثورة وتبنى وطنا للعدالة والحرية والمساواة، فإذا بالكراهية تكاد تخنق الثورة، وتفتح الباب لأعداء الحرية لينفذوا منها.
«مانديلا» تجربة مجانية فى الثورة والمقاومة والديمقراطية. دفع أكثر من ربع عمره فى السجن ـ 29 عاماـ رفض التنازل عن «إنهاء العنصرية»، وخرج منتصرا. لم يطالب أحدا بأن يدفع له ثمن تضحياته. ولم يطلب من شعبه أن يصلب ويموت فداءً له. لم يقل إنه فعل معجزة «لم أتلق وحيا.. ولكنها آلاف الاستخفافات والإهانات، تجمعت لتثير فى نفسى ذلك الغضب وروح التمرد والرغبة فى مناهضة النظام الذى عزل قومى واستعبدهم».
فى انتخابات الرئاسة عام 94 صوت الشعب لرمز حريته، وكان طبيعيا أن يكتسح، لم يواصل المزايدة بما جرى له ولم يطلب الثمن.. وعندما جاء أوان رحيله عن الحكم سلم السطة فى بلاده. ولايزال وهو فى الثالثة والتسعين من عمره يقدم درسا فى الحرية والديمقراطية.
«مانديلا» مازال وهو فى الثالثة والتسعين من عمره، يقدم درسا لمن ضربت الشيخوخة قلوبهم وعقولهم. قال فى عيد مولده الثالث والتسعين» إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضى المرير».
ربما يحتاج البعض للتعلم من «مانديلا» قبل الغوص فى وحل التعصب والطائفية. دعوة لقراءة سيرة رجل لتحرير أعدائه من الكراهية ورفاقه من الانتقام.