يطلقون عليه «سيرجى»، واسمه الحقيقى هو (ريتشارد سورج)، وهو أبرع وأذكى وأمهر جاسوس عرفه العالم، وهو السر الخفى فى انتصار الحلفاء على المحور فى الحرب العالمية الثانية، رغم أن الحلفاء مات منهم 61 مليونًا، بينما المحور 12 مليونًا فقط (حلوة فقط دى). حيث عمل لصالح الاتحاد السوفيتى وتوطن فى ثلاث دول، وهى ألمانيا واليابان والصين، وهو المؤسس الحقيقى لعلم التجسس، ولعشرات الخدع التى عرفها عالم المخابرات ومازال يستغلها الخبراء. ومن أشهر الخدع التى اخترعها ما يعرف الآن فى علم التجسس بـ (الجاسوس المكشوف) أو (العميل الفدية). حيث كان يجند بعض العناصر ويتركهم بأدلة مكشوفة أمام أجهزة المخابرات المعادية، حتى تنشغل بهم عن العناصر الأصلية المهمة، أو حتى يصنع وقيعة بين الدول من خلال تجنيد جنسيات محايدة خلال الحرب العالمية، أو لنقل معلومات مغلوطة.
كان لزامًا علىّ أن أبدأ بهذه المعلومة قبل أن نتكلم عن (العكة) الإعلامية التى استقبلت القبض على بعض الجواسيس الإسرائيليين، وعلى رأسهم الأمريكى الإسرائيلى «إيلان تشايم»، صاحب ألبومات الصور، ومن قبله الجاسوس الأردنى «بشار أبو زيد» صاحب الاعترافات غير المنطقية و6 حوالات مالية مباشرة من تل أبيب؟
ولا وجه للمقارنة بالتأكيد بين نبوغ سيرجى وبين الاعترافات العبيطة التى قالها الجاسوس الأردنى أو مجموعة الصور الهائلة التى استعان بها الأمريكى ليثبت لنا أنه جاسوس ابن جاسوس، إلا فى أنهما يمثلان شكلاً فاضحًا لخدعة الجاسوس المكشوف، أو العميل الفدية، التى استغلها سيرجى من 70 سنة تقريبًا. وكان هدف الموساد من تقديم هذين العميلين وأمثالهما على أطباق من الفضة مع بوفيه سلطات من الصور والاعترافات الهائلة هو صنع بلبلة وانشقاق فى الرأى العام المصرى، وتشويه صورتنا فى الخارج بعد المشهد الرائع الذى صنعناه أمام العالم فى 25 يناير، ففى مصر استقبل الناس أخبار القبض على الجاسوسين والأدلة الساذجة التى تدينهما بانقسام عنيف، فالبعض ظن أن النظام الحالى يتلاعب بنا ويوهمنا بإنجازاته الوهمية لننام كالأطفال على قصص «على بابا» وننسى الـ «أربعين حرامى». والبعض ظن أن اليهود والجواسيس شاركوا فى ثورة 25 يناير وشجعوا الثوار على الإطاحة بالنظام وإسقاط مبارك، فرغم أننا نعلم أنه كنزهم الاستراتيجى وصديقهم (الأنتيخ) إلا أن صور الجاسوس الخفى على الفيس بوك تؤكد عكس ذلك، والبعض تصور أنهم السبب الحقيقى وراء الفتنة الطائفية، فالصور تؤكد أن إيلان تشايم كان يتنقل بين أطفيح وإمبابة ويصنع الفتن بالإنجليزية أو بالعبرية أو بالشامية، أيها أقرب. والبعض ربط بين اليهود وبين السلفيين والإخوان، لأن عم الجاسوس كان يخطب فى المساجد ويلتقط الصور مع الملتحين، وكأنه (شيخ طريقة). أما اليهود فقد أكدوا للعالم أننا نرمى (بلانا) عليهم، فلا يوجد فى عالم الجاسوسية هذه الأدلة السخية وتلك الاعترافات الساذجة التى جاءت مع الأردنى، ولا يوجد جاسوس عاقل ينشر صورًا لمهماته ويسجلها للأصدقاء على الإنترنت. ظهرنا أمام العالم مرتابين فى كل شىء حتى ثورتنا الفريدة التى اتهمنا فيها جواسيس «هبل». وللأسف نحن مستمرون فى تلك المهزلة ولا نحاول أن نتدارك السقطة أو نوقف هذا الفيلم الهزلى، فمازالت صور الجاسوس الأمريكى الإسرائيلى تملأ إعلامنا المتخبط، ومازال الناس يتجادلون حول لغز الجواسيس وعلاقاتهم الخادعة بالثورة أو بالإخوان أو بالأقباط.. أدخلونا فى متاهة حمقاء من الشك فى الذات.
كان على الأجهزة المعنية أن تتريث قليلاً قبل الإعلان عن هذين الجاسوسين، وأن يرتابوا فى سهولة الحصول على تلك الأدلة الفاضحة والاعترافات المتخلفة العجيبة التى تنقلهما بسهولة من خانة الجاسوس السرى إلى خانة المتخلف العقلى. كان عليهم أن يتفهموا أبعاد المؤامرة، وهذه الكمية الهائلة من الاعترافات والصور الملفقة ومعانيها وأهدافها. كان عليهم أن يفهموا أن الموساد يلعب لعبته القديمة نفسها (فرق تسد) وأنهم قدموا لنا هذه النوعية من الجواسيس (كالسم فى الفريسة) وللأسف انقضضنا على الفريسة كالأسود، ومازلنا نعانى من وجع البطن.