أسهل طريق يمكن أن يسلكه السياسيون هو المقاطعة، لكنها سهولة «اللافعل»، وبالنسبة للأحزاب التى تدين بوجودها لثورة يناير، لاتزال غير معروفة، ولم تقدم نفسها للجمهور، حتى يمكنه اختبارها والحكم عليها، وإذا كانت قررت المقاطعة فقد حكمت على نفسها بالنسيان.
والانسحاب فى السياسة فن، مثل المشاركة، ويفترض أن يتم فى حدود ضيقة وليس «عمّال على بطّال». المقاطعة تحذير أو موقف، يفترض أن يحسب من ينوون ممارسته نتائجه بما فيها من أرباح وخسائر، والسياسة كما هو معروف ليست لعبة ملائكة. وبالطبع ليست كلها لعبة شياطين كما عرفناها طوال عقود، بل لعبة بشر بكل ما فيهم من أطماع وغرائز، وبالنسبة للمواطن بعد عقود من التزوير والفساد تمثل أمرا مشكوكا فيه حتى يثبت العكس.
ونظن أن الكثير من الجدل الدائر الآن على الساحة، يحير أكثر مما يطمئن، خاصة أن الانتخابات تجرى بنفس القواعد السابقة، والكثير ممن أعلنوا ترشيح أنفسهم لا يختلفون عمن كانوا موجودين من قبل، «من أين يمكننا أن نأتى بوجوه جديدة؟». ثم إن تكاليف الانتخابات والدعاية بشكلها الحالى تحرم الكثير من الوجوه والخبرات من الترشح لأسباب اقتصادية، وتحرم الكثير من الشباب والوجوه الجديدة، التى لم تجد من الأحزاب سعيا صادقا لاكتشافها والدفع بهم إلى الصدارة، بينما يمكن للمحترفين أن يفوزوا فى انتخابات بلا قواعد واضحة.
وهنا يأتى دور الأحزاب الجديدة التى تفكر فى الانسحاب قبل أن تجرب العوم، ودون أن تحسب أرباح الانسحاب وخسائره. وبعضها يفعل ذلك بدون قناعة، فى وقت عليها أن تنزل فيه للشارع لتختبر قدراتها وتقدم نفسها، وحتى لو خسرت فى الجولة القادمة تكون اكتسبت خبرات تفيدها مستقبلاً.
لكن بعض الحركات والأحزاب الجديدة تفتقد مرجعيات فى قراراتها، وأبرز مثال على التخبط ما جرى أثناء اجتماع بعض الأحزاب مع المجلس العسكرى حيث وقعت بعضها على بيان المجلس، ثم تراجعت، دون أن تبرر توقيعها أو رفضها، وهو ما أظهرها كأحزاب ضعيفة ومتخبطة.
ثم إن هذه الأحزاب تركز عملها فى العاصمة، أو تكتفى بإعلانات تليفزيونية، وتتجاهل العمل الميدانى، ولا مانع من دراسة تجارب الماضى، والأحزاب القديمة مع المشاركة والمقاطعة، للتعرف على نتائجها، وأن تسعى لاستيعاب خبرات التنظيم، واختراق الشكوك لدى المجتمع، وكلها خطوات تستدعى المشاركة وليس المقاطعة.
نحن مقبلون على انتخابات صعبة، أشبه بالكلمات المتقاطعة، وربما تخسر الأحزاب الجديدة، هذه المرة، لكن المقاطعة يمكن أن تنهى وجود هذه الأحزاب قبل أن تبدأ، وتجعل الساحة خالية للمحترفين والفلول.
حتى لو خسرت فهذا لا يعنى عدم التأثير، فالكثير من الأحزاب الصغيرة فى الدول الديمقراطية تأثيرها فى الأفكار والمجتمع أكبر من مكاسبها الانتخابية.