عزيزى وائل،،
تحية طيبة وبعد،،
أرسل إليك تحياتى قبل غضبى وأمنياتى دون يأسى .ولن أطيل عليك بمقدمة قد تبدو لك مملة وغير ذى جدوى وأنت ابن الإنترنت، أى الكلمات القليلة المباشرة.
قرأت لك تصريحاً نشرته بعض الصحف والمواقع الإلكترونية نقلاً عن موقعك على الفيس بوك تقول فيه إن الثورة المصرية هى صراع بين جيل الشباب وجيل ارتضى المشى جنب الحيط ومشاهدة برنامج اخترنا لك، وأنها صراع بين جيل الأغلبية الشباب وجيل الأقلية الكبار.
والحق أننى أود بالأصالة عن نفسى وربما بالنيابة عن ملايين أو آلاف أو حتى عشرات غيرى أن أرد على ما ادعيته فيما قلت.
يا بنى رغم أنك أكبر كثيراً من أن تكون ابنى، ولكننا على كل حال من أجيال مختلفة، وبما أنك تتحدث بلسان الأبناء، فانا أتحدث بلسان الآباء والأمهات.
فيا بنى الاختلاف سمة البشر، فالله قد خلقنا شعوباً وقبائل وأعماراً "لتعارفوا" كما قال سبحانه لا "لتتعاركوا"، ولكن مصر منذ الثورة وقبلها كثيرا يتم تقسيمها وتفتيت شعبها كل لحظة إلى قطع صغيرة، فهذا متعلم وذاك جاهل وهذا غنى وذاك فقير، ثم هذا جامعة خاصة وهذا بتاع جامعة حكومية، وهذا مسلم إمامه قبطى، ثم هذا مسلم حق يرتدى الجلباب واللحية أو الحجاب وتلك سافرة يراها البعض كافرة، وهؤلاء سكان الزمالك والتجمع وهؤلاء سكان المناطق البيئة، ثم زدنا فى الفرقة فأصبح منا الفلول وأبناء الثورة، والسلفيون فى مواجهة الإخوان المسلمين ويواجههم الليبراليون والعلمانيون، وهناك الصعايدة فى مواجهة أهل بحرى، والنوبيون فى مواجهة مصريين ربما أقل سمرة.
حتى الميادين قسمناها، فأصبح هناك أبناء ميدان التحرير يواجهون أبناء ميدان مصطفى محمود ومعا يواجهون أبناء ميدان روكسى.
وها أنت تأتى لنا بتقسيم جديد لما هو بالفعل مقسم، فتقرر أن الثورة صراع بين جيل إخترنا لك والمش جنب الحيطة وبين جيل الشباب.
لا وألف لا، فإن كنت لا تعرف تفاصيل الثورة المصرية أو نسيتها من كثرة مشاغلك فإنى أود ان أذكرك بأنه فى يوم الخامس والعشرين من يناير من هذا العام خرج حفنة من الشباب كانوا بالمئات ولم يصلوا إلى الآلاف، كان أقصى طموحهم أن يتجمعوا فى مظاهرة تبدو ضخمة مقارنة بمظاهرات سابقة ينادون بالحرية والعدالة الاجتماعية، ولولا نداؤهم "يا أهالينا انضموا لينا"، وانضمام أهاليهم لهم ما كانوا صاروا حشداً هز أركان الحكم المتهاوى.
لا وألف لا يا بنى، فإبنى الذى كان بينهم لم يكن ليستطيع الصمود وحده لو لم ألازمه أيام اعتصام التحرير، ومؤازرته.
لا وألف لا، فشباب مجموعة 6 إبريل أخذوا اسمهم وصفتهم من عمال مصانع المحلة الذين أضربوا يوم 6 إبريل، وهؤلاء العمال أغلبهم من ذلك الجيل الذى تنعته بالمشى جنب الحيطة.
لا وألف، لا فجورج إسحاق وكمال أبو عيطة ومحمد عبد القدوس لا يمكن أن ننعت جيلهم بأنه مشى جنب الحيطة واكتفى بمشاهدة إخترنا لك.
يا بنى لا وألف لا، ودعنى أذكرك بليلة خروجك من المعتقل حين سعت كاميرات البرامج لتصويرك لأول مرة وظهرت فى برنامج العاشرة مساء، يومها لو تذكر كان نظام مبارك مازال قائما،ً ولكن حين بكيت واعتذرت للأمهات على مقتل أبنائهم فقط لحظتها أنا صرخت وقلت سقط نظام مبارك وكل رجاله، لأن الأمهات فى البيوت سيبكين وكل الأهل سيقررون سقوط النظام وزواله.ولولا بكائك واستعطاف ذلك الجيل الذى تنعته اليوم بالركنة جنب الحيطة ما كان حدث ما حدث بالتأكيد ما تعرفه اليوم.
لا وألف ألف لا، قلتها أنا لسيدة بسيطة فى العقد الخامس أو السادس من العمر صادفتنى منذ أيام قليلة فى أثناء عودتى من سفر ووجدتها تقف فى طريق خروجنا من المطار، ويبدو عليها الخوف والقلق، فنظرت إليها بابتسامة، فإذا بها تقول لى "تصدقى أنا خايفة أوى أدخل مصر ليطلعوا فى مظاهرات يطالبوا بقتل كل اللى فوق الخمسة وخمسين"، باغتنى التعليق أو السؤال فضحكت فى البداية وقلت لها لا تخافى ادخلى مصر آمنة وإن فعلوا فسأخرج معك ومع غيرك لقتل من يطالب بذلك، فبادلتنى السيدة بابتسامة ولم ترد ثم تاهت فى الزحام، وأقسم بالله أن هذا حدث.وحكيت القصة لبعض الأصدقاء من باب التندر بالحالة المصرية الساخرة، ولكن يبدو أن السيدة التى لا أعرفها كانت تستشرف المستقبل، ربما القريب.
لا وألف لا، فالفساد وحيطان هذا البلد سار إلى جوارهم أجيال كبيرة وصغيرة، ألم يكن جمال مبارك وكثير من وزرائه فى الثلاثين وبدايات الأربعين؟! ألم يكن أعضاء جمعية المستقبل وغيرهم من تجمعات صنعها الحزب الوطنى الفاسد من شباب ارتضوا المشى جنب الحيطة رغم أنهم لم يحبوا مشاهدة إخترنا لك.
لا وألف لا، فالثورة فى مصر نبتت أول ما نبتت فى البيوت على لسان جيل إخترنا لك الذى كان يجلس فى فى كل مجلس وعلى المقاهى ليحكى أمام أطفاله وشبابه كم الفساد الذى استشرى وضيقه وثورته المكتومة أحيانا وأحيانا أخرى عالية الصوت.
فكما كنت أنت ثائراً على شاشة كومبيوتر بكبسة زر وحولت كلماتك إلى وسيلة شحن وشحذ لحركة شباب، أيضا كان جيل إخترنا لك بشكواهم وحكاياتهم وثورتهم الحياتية اليومية يشحذون همم أبنائهم للثورة.
لا وألف لا فلا تعيّر جيلاً بأنه ارتضى بالحيطة كما تقول لأن بعضهم ارتضى بها لكى يربى أبناء يثورون ويأخذون لهم حقهم من الفساد والظلم.
لا وألف لا، فلا تعير أحدا بالحيطة لأنك أنت نفسك كنت تكتفى بالكتابة على حيطة الكومبيوتر ولم تظهر إلا حين انضم لينا أهالينا.
لا وألف لا يا وائل، كفى تقسيما لمصر وشعبها ما بين مسلم ومسيحى ومسلم ومسلم ومسيحى ومسيحى وفلول وبتوع تحرير، وأخيراً جيل إخترنا لك وجيل لا أعرف له برنامج مفضل لأنه يبدو مشتتاً من كثرة القنوات.
لا وألف لا يا وائل ويا أى وائل، دعنا نجمع شتاتنا بدلاً من الفرقة وحتى لا نكون كقطع الموزاييك التى لا سبيل لجمعها لأن أطرافها تكسرت، دعنا نتجمع كبارنا وصغارنا، فلولنا وتحريرنا، مسلمينا ومسيحيينا وغير ذلك، دعنا نتجمع لنواجه الشتاء ببرودته بدلا من أن نواجهه منفردين متناحرين.
ملحوظة أخيرة: على فكرة لم أكن أبداً من مشاهدى برامج إخترنا لك لأننى كنت أراه برنامجا غبيا.
وأخيراً لك منى تحية ورجاء، فلتقل خيراً أو لتصمت، فالصمت أحيانا عبادة ما أحوجنا إليها الآن.
المخلصة:أم مصرية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد مختار
العقل زينة
لافض فوكي ياأمي
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام
صدقت .......
عدد الردود 0
بواسطة:
د.طاهر حامد
فتنة....مقصودة!!
عدد الردود 0
بواسطة:
fafy
معلش صغير
عدد الردود 0
بواسطة:
هيثم
من أجمل ما قرأت
عدد الردود 0
بواسطة:
عزت المصري
كلامك ياأم شومان ظاهرة الرحمة وباطنة العذاب
عدد الردود 0
بواسطة:
ossama
ربنا يبارك لكي
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
شاب مصري
عدد الردود 0
بواسطة:
سد
مقال تحليلي رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
mohammed
مقال اكثر من رائع