فى لحظات الخلاف الحاد إما أن تقول خيرًا أو تصمت. فما بالك إذا كان الوطن نفسه فى جرح، واضطراب، وحالة من فقدان الاتزان؟
طالعت تصريحًا صادرًا عما يُسمى بـ «تنظيم الجهاد» يرفض فيه فتوى دار الإفتاء المصرية، التى أجازت بناء الكنائس فى مصر، وهو فى رأيى تحصيل حاصل، لأن غالبية الكنائس بنيت فى ظل وجود المسلمين، ولم نجد من يعترض عليها، أو يدفع بعدم جواز بنائها. وقد عاش على مدى قرون فقهاء معتبرون أكدوا على ذلك.
هذه الفتوى لم تعجب تنظيم الجهاد، الذى لا أعرف مدى قانونية وجوده من الأساس، وصدر عن قيادى به هو «أسامة قاسم» فتوى بأن ما خلصت إليه دار الإفتاء المصرية «ارتكاب لخطيئة الضلالة كونها تبدّل أحكام الله، وافتراء على الله ورسوله لإرضاء أقوام ليرضوا وهم لن يرضوا، مصداقًا لقوله تعالى: «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم».
وأضاف: إن علماء وفقهاء الأمة منذ 1400 عام أجمعوا على أن الكنائس لا يعاد بناؤها إذا تهدمت، وألا تبنى كنائس جديدة، وهو أمر ينطبق على مصر بحكم أن أغلب مناطقها فتحت عنوة أكثر منها فتحت صلحًا، مما يجعل شريعة الإسلام هى المسيطرة، وهى من تحكم وتشرّع لبناء الكنائس أو إعادة ترميمها. وانتقد ما ذهبت إليه الفتوى بأن الإسلام لا يفرّق بين مسلم ومسيحى، قائلاً إن هذا يُخرج من أصدر الفتوى من حظيرة الإسلام كونه ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، مطالبًا القائمين على الفتوى فى مصر بأن يتقوا الله فى دينهم وأمتهم، وألاّ يفرطوا فى حقوق أمتهم وثوابت شريعتهم.
المتحدث «أسامة قاسم» بدأ بالدعوة إلى حظر بناء الكنائس، وانتهى إلى «تكفير» الذين أصدروا الفتوى نفسها من دار الإفتاء المصرية باعتبارهم «خارج حظيرة الإسلام».
سوف أرد على هذه الفتوى برأى اثنين من الفقهاء القدامى، اللذين أخذ عنهما الكثير من الفقهاء المعاصرين:
الإمام الليث بن سعد الذى يعد من أئمة المذاهب لا يقل علمًا عن مالك وأبى حنيفة، وعاصر «مالك»، وكان بينهما مراسلات، والآخر: عبدالله بن لهيعة، ورأيهما أن بناء الكنائس يدخل فى عمارة دار الإسلام، وهو ما مال إليه أيضًا الإمام ابن القاسم المالكى.
وبعيدًا عن فقهاء مصر الذين أفتوا بأن الكنائس من عمارة الأرض، ولم يضعوا قيودًا على بنائها متى وجدت الحاجة إليها، لماذا لم يهدم «عمرو بن العاص» الكنائس التى كانت فى مصر؟ ولماذا سمح، هو ومن خلفه من ولاة، بإعادة بنائها وترميمها، وبناء الجديد منها؟
هل ممثلو «تنظيم الجهاد» اليوم أكثر فهمًا للدين من المسلمين الأوائل الذين دخلوا مصر؟ هل هم أحكم من فقهاء مصر الذين ظلوا أكثر من أربعة عشر قرنًا يرون بأن الكنائس تبنى، وتعمر، وتصلح، وترمم؟
المطلوب قليل من العقل حتى نعرف أن هؤلاء الذين يلقون بفتاوى نارية فى حجر المجتمع المصرى لا يعرفون الفقه المصرى الرحب، ويأتون بآراء فقهية صدرت فى مجتمعات أخرى لم تعرف الخبرة المصرية، ويريدون تطبيقها فى المجتمع المصرى.
المسألة حساسة، والمجتمع فى حالة غليان، ومن المتصور أن يحتكم الناس إلى الثوابت، أكثر من المغامرة بطرح آراء تزيد المجتمع اشتعالاً، ولن تخدم إلا صناع الفتنة، والساعين إلى حرق هذا الوطن. هذه الدعاوى والفتاوى النارية لا تدخل فى إطار حرية الرأى والتعبير، ولكن فى سياق التحريض والتهييج. لا يصح التعامل معها بخفة أو تجاهلها، بل ينبغى محاسبة قائلها، ولاسيما أنه اتجه إلى إخراج المسلمين المختلفين معه من الملة، أو من حظيرة الإسلام حسب قوله.
التكفير مقدمة للعنف، الخبرة المصرية تقول ذلك.
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق سليمان
فأهلا بك أيها الكاتب الكريم فى مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد
كل واحد يعبر عن نفسه فقط