مجدى أحمد على

عن الهاوية

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011 03:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
.. وقد كان عنوان الأسبوع الماضى «الانهيار»، حاولت أن أغلّب تفاؤلى المعتاد على مظاهر الكآبة التى غشيت الوطن طوال الأسبوع الماضى وتخللت مسامنا جميعاً، حتى أصدقائى الذين تعودت منهم وافراً من الأمل والثقة فى المستقبل، فإذا بالجميع غارق فى بحور من الحزن والعزوف، وهم يشهدون انهيار كل ما تربوا على احترامه وتقديسه فى لحظات مستحيلة النسيان. إن قطعان الشباب الذين ساروا فى شوارع القاهرة فى هذه الليلة الكئيبة يهتفون ضد إخوة الوطن، سافرين بكل قبح التعصب الأعمى الذى تراكم عبر دأب ثقافة إنكار الآخرين، وإغلاق مسارات العقل وتصريفات الوجدان السوى المستقيم، هم دليل على أن ما أصاب «الوطن» هو شىء خطير، بل هو شىء يدعو إلى الرعب.

> أعلى المحاكم فى مصر يقبل تشكيل حزب يدعو إلى تقطيع الأيادى ورحم الناس فى القرن الواحد والعشرين، وقد انتصر محاموه الذين من بينهم مرشح للرئاسة، ونائب لرئيس حزب يدَّعى الوسيطة على نيابة هشة يفترض أنها تمثل قيم الوطن والمواطنة.. ونتساءل: إذن متى يكون الحزب دينيا؟

يقول السادة الذين يجرّون الوطن نحو الهاوية متسلحين بألاعيب الحواة: فقط عندما لا يقبل فى عضويته من هم مختلفون فى الدين ويتلاعبون بالنار- وقد طعموا مؤسساتهم الفاشية ببعض الأسماء القبطية - ويحتكمون إلى مادة فى الدستور طالما طمأنونا أنها لا تعنى قيام دولة دينية فاشية.. لا يشرح لنا أحد فى هذا الوطن المغدور كيف أمكن للقضاء أن يقبل إنشاء حزب لا يؤمن أصلا بفكرة الأحزاب إلا بكونها جسراً للقفز على الحكم، ولا يقر بالديمقراطية إلا باعتبارها تسليما برأيه لا برأى الناس، لأنه يمثل «حكم الله»، بينما الآخرون جميعاً لا يمثلون سوى شياطين الحرية والعلمانية والتحديث.. متى يكون الحزب قائما على أساس دينى؟ هل هناك علانية تصل إلى درجة الفجاجة أكثر مما نرى؟!
> جماعة دينية معلنة ولها أهدافها المنكرة تماما للآخرين تنشئ حزبا، وتتحكم فى قياداته، وتفصل مخالفيه من عضويته ويقسم الجميع على الولاء لأفكارها قبل أن تقبل عضويته على كتاب الله.. ورغم ذلك فليس ذلك حزبا دينيا فى رأى القضاء العادل!

> جماعة أخرى تعلن أنها سوف تطبق الشريعة «وليس مقاصد الشريعة» فى مصر على جميع مواطنيها من جميع الملل والأديان، مهدرين تماما مبدأ المواطنة الذى يقضى باحترام كل الأديان، لا إجبار الآخرين على الخضوع لدين الأغلبية، ولا على الحصول على ميزة بسبب اختلاف فى الدين أو العرق أو اللون أو الجنس.. ومع ذلك يرى قضاؤنا العادل إباحة هذا التوجه نحو الفاشية والمصادرة!

> جماعة «معتدلة» تستميت بشعارها الانتخابى، «الإسلام هو الحل» وليس وجهة نظرها فى الإسلام، فقد احتكرت هى الدين الحنيف، وأصبحت هى المخولة حصراً للحديث باسم من أعطاها صوته فقد أعطاه للإسلام، ومن رأى غير ذلك فقد خرج من الملة، ووجبت استتابته وإلا فالقتل.. تفعل ذلك الجماعة وتدعو لأفكارها على المنابر التى جعلت لذكر الله، ويؤيد القضاء العادل احتكارها للدين وللحقيقة، واحتكارها لأبسط مبادئ تكافؤ الفرص، حيث الجميع مسلمون! فقط يدعو بعضهم لتغليب صوت العقل الذى جعل خليفة المسلمين عمر بن الخطاب يوقف الحدود ويتعامل بروح النص، ويغّلب المصلحة العليا، طالما تحققت المقاصد العليا فى العدل والحرية والكرامة.. فقط بعض «المسلمين» يدعون لتأمل ما يحدث فى المجتمعات التى انحازت إلى أفكار التطرف، وكراهية العقل فى السودان المنهار المهشم، وفى الصومال الجائع، وفى أفغانستان البائسة ولا يظنون أبداً أن مستوى «الأخلاق الفاضلة» فى السعودية يقترب من مستوى أخلاق شعب عريق تربى على الوسطية والتنوع وتقديس حرية الآخرين، فكانت له الريادة، وكان له حق قيادة المنطقة كلها إلى عالم أكثر جمالا وسلاماً وقوة.. ولكن يبدو أن الجميع - بسلامة نية أو بسوء تدبير - لا يريد لهذا الوطن أن يتبوأ ما يستحق من مكانة، وإلا ما هذا الإغراق فى الاستقطاب والفاشية المتسربلة بأديان التسامح والمحبة، لا أستثنى أحداً.. ولم نعد نستطيع قبول الحالة القبطية التى تغضب فقط لانتهاك حقوقها الدينية، ولا نرى لها غضبا لانتهاك حقوق الوطن منذ أيام مباركتها للنظام البائد، مروراً بمواقفها فى الاستفتاء الأخير، وانتهاء برفع الصلبان فى تجمعات تطرح المطالب الوطنية التى لا يليق بها سوى رفع علم الوطن.. والحل بأن تكون المنافسة على حق بناء المصانع والمدارس ومراكز الأبحاث، لا الموت فقط دفاعاً عن حق العبادة الذى هو أبسط حقوق البشر جميعاً.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة