اعتبرها نظرة واقعية ولا تعتبرها تشاؤمية، فالأيام القادمة لا تحتاج منا سوى التفاؤل حتى ولو بدت المعطيات غير ذلك، ولكن التفاؤل لا يعنى أبدا التغاضى عما تطرحه أرض الواقع من مشاكل أو تجاهل البحث لها عن حلول.
والمؤشرات التى تمنحها لنا أرض الواقع الآن تقول بأن الأمور فى طريقها إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية حسب الجدول الزمنى الغريب والقوانين غير المريحة التى أقرها المجلس العسكرى بالإجبار، وأعتقد متمنيا من الله أن يخيب ظنى أن القوى السياسية والحزبية، الفلول منها والثورى والاتهازى أو حتى القابع فى المنطقة الرمادية، لن ينجحوا فى تغيير هذا الجدول الزمنى أو قوانين الانتخابات لسببين بالتأكيد لهما ثالث.
1 - الضغط على المجلس العسكرى الآن يحتاج إلى وحدة صف تجمع القوى السياسية بمختلف توجهاتها، وهذه الصفة غير متوفرة الآن فى القوى المنثورة على الساحة لأن أغلبها يفقتد الإخلاص ونظافة النية، وبعضها يفتقد إلى القوة والتنظيم، كما أن المليونيات ذلك السلاح الشعبى الضاغط الذى كان يعوض نقص القوى السياسية ويغطى على خلافاتها يبدو أنه فى طريقه للضعف أو الانهيار بعد مليونية 30 سبتمبر.
2 - لا تكذب على نفسك وتعال نقر معا بأن الأحزاب السياسية مجتمعة ستسقط فى بحر الانغشال بالانتخابات البرلمانية وأزمات الدوائر وكيفية جمع الأصوات، وستنشغل بالعملية الانتخابية عن أى شىء آخر، أضف إلى ذلك أن الخوض فى بحر العملية الانتخابية سيباعد بين القوى السياسية أكثر وأكثر، وسيخلق صراعات تمنح المجلس العسكرى الفرصة للانفراد بمستقبل مصر، وأنتم تعرفون بالطبع أن إبليس دائما يكون ثالث هذه الانفرادات الثنائية.
3 - الأمر الثالث والذى لا يمكن إنكاره يتعلق بحالة السخط الشعبى بسبب تصرفات القوى الثورية وعدم تقديم الأحزاب أى خطط تتضمن حلولا أو جداول زمنية واضحة، هذا الغضب الشعبى سيمثل قوة ضغط كبيرة على الأحزاب والقوى السياسية التى تسعى لاكتسابه من أجل الانتخابات، ولن تجد طريقا لذلك سوى الاتزام بخوض غمار المعركة الانتخابية والالتزام بالجدول الزمنى دون أى محاولة للخروج على الصف والدعوة إلى مظاهرات أو مليونيات من تلك التى أصبح يكرهها قطاع عريض ويعتبرها خرابا على مصر بفعل وسوسة شياطين الفضائيات والصحف المسمومة.
الآن.. أنت تنتظر منى أن أجيبك عن السؤال القائل: ماذا نفعل بعد أن «ضلمتها» فى وجوهنا؟ الأمر ببساطة يستدعى فى البداية ضرورة الإيمان بأن تغيير الوطن لا يمكن أن يتم فى يوم وليلة حتى لو اشتعلت ألف ثورة مثل ثورة 25 يناير، الأمر يحتاج إلى إعادة صياغة طريقة التعامل مع الانتخابات والبرلمان القادم، ما أقصده هو أن تخوض القوى السياسية المحترمة، سواء كانت إسلامية أو ليبرالية، المعركة الانتخابية بشراسة الحروب، للحصول على أكبر قدر ممكن من المقاعد وغلق الأبواب أمام الفلول وغيرهم.
طبعا هذا يحتاج إلى مساندة كبيرة منك عزيزى القارئ المواطن المحترم لأن تفهم وتشرح لمن حولك أن مصر الآن لن تكون فخورة بالمواطن الذى يبيع صوته الانتخابى، أو بالمواطن الذى يضع صوته الذى هو أمانة فى المكان الخطأ، الأمر الثانى والأهم أن يكون البرلمان القادم فرصة لإعادة تربية النواب وشطب مفهوم الحصانة وحصاره ليصبح داخل جدران مجلس الشعب وكفى، لكى يفهم كل «فلة» من الفلول وكل تاجر وكل ساع للمصلحة أن البرلمان لم يعد تلك الفرخة التى تبيض له ذهبا، بل هو «أفرول» الخدمة الذى يرتديه لخدمة الوطن والمواطنين.