علاء لطفى

إشارات حرجة

الخميس، 20 أكتوبر 2011 10:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سوف تبقى مشاهد القتل فى ماسبيرو عالقة فى الأذهان لأمد غير قصير، فهى لا تختلف كثيراً عن مشاهد تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة أعياد الميلاد، وفى كلا المشهدين كان الأقباط يسددون الثمن مباشرة من أرواحهم وأنفسهم، البعض فى ماسبيرو وفى إدفو وفى مختلف أرجاء الوطن لا زال عاجزاً عن إدراك بنية المجتمع المصرى، لذلك فهو يتخذ من الحرق والقتل والمولوتوف وطلقات الرصاص الحى وسيلة للتعبير الإيضاحى بالصوت والصورة، وهذا البعض أثبت بالبرهان والدليل العملى أنه يستحق بكل جدارة أن يستأثر بحصاد ثلاثين عاماً من عمر الوطن اختزلها جمال مبارك فى نهج فلسفى فاضح لا يخلوا من الوقاحة ويمتلئ بكثير من الحكمة بإشارات من أصابعه لخصت كثيراً من تفاعلات الحياة السياسية فى مصر وجاءت فى سياق المحاكمات الدائرة لتكشف عن الوجه الحقيقى لما هو دائر الآن وما دار خلال حقبة مبارك.. وأتصور أن تلك هى المرة الوحيدة التى يصدقنا فيها جمال مبارك ويكشف لنا حقيقة أنفسنا أمام عدسات الفضائيات والمصورين ووكالات الأنباء العالمية والمحلية وشبكات التواصل الاجتماعى، وربما أيضاً يكشف لنا ما ينتظرنا من مستقبل مظلم، فالشعب الذى أراد يوماً أن يرثه لا يستحق لديه بعد أن رفضه سوى إشارات وقحة.. والشعب الذى قرر أن يحاكمه لن يجرؤ على إدانته أو القصاص منه ومن نخبته وصفوته.. لتأتى كل أحداث الفتن الكبرى منذ اندلاع ثورة 25 يناير وهى تحمل للوطن إشارات حرجة من نفس العينة المهداة إلينا ولأسر الشهداء وأبناء الثورة من جمال مبارك ونخبته.. المشاهد فى ماسبيرو لم يكن فتنة طائفية .. والحرق الغامض لكنيسة أو مضيفة إدفو لم يكن أيضا فتنة طائفية.. وما سوف يستجد من أعمال حرق وقتل وسلب ونهب هى جميعها إشارات وقحة بعضها يأتى من نظام منقرض والبعض الآخر يأتى من أطراف خارجية آخذة فى التآكل لا تجد طوق نجاة لها سوى بإشعال المنطقة فى مختلف الاتجاهات.. ردود الأفعال السريعة، أحياناً ما تكشف بوضوح عن مدى جاهزية الأطراف الخارجية للانغماس فى الشأن الداخلى المصرى بأدوات وآليات لعبة تاريخية قديمة تسمى "حماية حقوق الأقليات"..وأزعم أن كثيرين فى مصر كانوا ينتظرون بيانا للخارجية الأمريكية مفخخا أو مفبركا، فقط ليغسلوا أيديهم من دماء أقباط ماسبيرو وكى يشيروا بأصابعهم الوقحة فى اتجاه أطراف خارجية، ذلك الاتهام النمطى الذى لم يغادر المنطقة منذ عقود.. لكن فى حقيقة الأمر إن أى مخطط خارجى وأية مؤامرة خفية لم تكن لتنجح فى منظومة اجتماعية سوية عادلة، يعرف فيها الجميع الحقوق والواجبات والمسئوليات، وبدون تلك المنظومة يصبح مخطط تفكيك مصر أكثر وضوحاً وأكثر قابلية للتنفيذ مثل ما هو عليه الآن، ويتحول مشروع تفتيت الدولة المصرية إلى كانتونات طائفية وقبلية وعرقية ليصبح أمرا واقعا لا نجاة منه.. نعم لم يعد للوطن ملاذاً سوى أن يعتصم شركاؤه بمظلة من التوافق، ومن لم يدرك الصورة بعد فلينظر إلى المنطقة من حولنا، ولينظر إلى خرائط التقسيم التى آتت ثمارها فى السودان بنفس مفردات خطاب الصراع الطائفى والدينى، وعن قريب سوف تنسحب إلى باقى دول المنطقة، فلم يكن يوماً سراً خفياً أن البعض يتآمر ليل نهار لتقسيم مصر إلى دولتين، وربما أكثر إن كان ذلك بالإمكان.. ومن يتابع التحليلات والتقارير الإسرائيلية الصادرة فى الأيام التى تلت وقوع الأحداث يدرك حقيقة الرغبة الإسرائيلية فى اشتعال الأوضاع فى مصر، وتحولها إلى عراق آخر يموج بالاضطرابات يقتتل فيه أبناء الوطن الواحد دونما رحمة أو شفقة، ويدرك أن خروج مصر من كبوتها واستردادها لأدوارها الإقليمية بات أمرا يقلق الكثيرين ويدفعهم لإرسال إشارات حرجة للجميع.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة