منذ البداية كنت مطمئنًا إلى انتصار ثورة 25 يناير فى مصر لتحقيق الحرية والعدالة للشعب المصرى، وثورة 17 فبراير فى ليبيا، وتحقيق الحرية والعدالة للشعب الليبى، ومما لا شك فيه أن تاريخ الثورات فى العالم سوف يحتفظ لثورة 17 فبراير فى ليبيا بأنها واحدة من الثورات الفريدة التى «خلقت» قيادتها منذ اللحظات الأولى لاندلاعها فى وجه واحد من أعتى أنظمة الحكم طغياناً وفسادًا، فقد «تخلق» المجلس الوطنى الانتقالى كقيادة شرعية للثورة ولحكم ليبيا فى هذه المرحلة «الانتقالية» منذ اللحظات الأولى للثورة بإرادة شعبية نادرة وبإجماع شعبى لم يتسنّ لأية ثورة من ثورات زمن الربيع العربى، فاكتسب الشرعية وجنّب الثورة «وليبيا كلها» مرارة الحرب الأهلية والصراع الدامى الذى كان يراهن عليه القذافى «الذليل المطارد» لإفشال هبّة الشعب الليبى.
ولا شك أن تاريخ ليبيا سوف يحتفظ للمستشار مصطفى عبدالجليل «الناسك النبيل» بمكانة سامية فى قلوب كل الليبيين وكل الأحرار فى العالم كله، ولأن مصطفى عبدالجليل لم يكن وحده «وإن كان هو الأبرز» هو المجلس الوطنى الانتقالى، بل كان معه ثلاثون رجلا من السياسيين والضبّاط العسكريين السابقين، وزعماء عشائريين وأكاديميين ورجال أعمال، كان من أبرزهم بلا شك «محمود جبريل» أمين مجلس التخطيط الوطنى «سابقا» والمسؤول التنفيذى «رئيس الوزراء» ومسؤول الشؤون الخارجية بعد ثورة 17 فبراير.
وقد أعلن «جبريل» استقالة لا رجعة فيها، معلنا أن المجلس الوطنى الانتقالى يمتلك الشرعية «الرسمية» لكن الشرعية «الفعلية» اليوم تملكها المجموعات والتيارات والحركات التى تمتلك السلاح وتنفذ أو لا تنفذ شرعية المجلس الانتقالى، فقد أصبحت القوى التى تمتلك السلاح «مع تسارع الأيام وابتعاد الانتخابات» هى صاحبة الشرعيّة الفعلية.
وعندما كتبت لصديق من الكتاب الليبيين مستفهما عن هذا الوضع، رد علىّ بأن «جبريل» يهوّل الأمر بعض الشىء وربما يكون قد أصابه الوهن ولا يريد أن يكمل المشوار لنهايته، لكن صديقا آخر عارض هذه الرؤية وكتب إلىّ يقول بأن الأمر ليس على هذه الصورة، لكن محمود جبريل رأى أن قرارات المجلس الانتقالى والمكتب التنفيذى لم تعد ذات تأثير، بل تُرمى فى القمامة فى أحيان كثيرة لكنا «والكلام لصديقى الكاتب الليبى» مطمئنون إلى النجاة فى نهاية الأمر من الغرق فى بحر التشرذم.
ولكن فى بعض الأوقات ينتابنى خوف رهيب من أن تكون هذه الطمأنينة هى طمأنينة الغرق، لأننى أعتقد جازما أن القذافى «الذليل المطارد» يعمل على عدم استقرار ليبيا تحت حكم أى نظام بعده، أو أنه سوف يعلن قريبا عن دولته الجديدة المنفصلة فى الجنوب مستعينا بقبائل الطوارق فى شمال النيجر وجنوب ليبيا وجنوب الجزائر وسوف يسميها «الطوارق» أو «الجنوب» أو «أفريقيا العظمى» وسوف يعلنها «دولة إسلامية» بحيث يمكنه تعبئة الجنوب الأفريقى بكامله.
والحل الوحيد لمواجهة ذلك الجنون هو أن يكون السلاح كله وكل القوى والتيارات التى تحمل السلاح فى ليبيا تحت سيطرة القيادة الموحدة للمجلس الوطنى الانتقالى، أم أن «طمأنينة الغرق» سوف تؤدى ببعض القوى المسلحة «ربما تلك التى ترفع شعارات إسلامية مضللة» لرفض توحيد «أو إلقاء السلاح» فى محاولة الحصول على «حقها» فى الثروة والنفط ويشتعل الصراع الدامى على الثروة وتقسيم الغنائم، حيث يؤدى فى النهاية إلى التدخل الأجنبى على الأرض؟
أجد نفسى الآن مشتتاً وخائفاً إلى درجة الرعب مما زعزع طمأنينتى، سواء على الثورة فى مصر أو فى ليبيا، ففى مصر «فلول» تتجهز بالمال والخيانة للانقضاض على الثورة، وفى ليبيا «مسلحون بالسلاح والشعارات الدينية المزيّفة» يستعدون للانقضاض على الثروة، فالفلول التى ورثها الذليل المخلوع لجسد الوطن، الذى أنهكه ما يزيد عن أربعة عقود من الفساد والتجبر المقيت، قد أشهروا أسلحتهم «الديمقراطية» فى ثمانية أحزاب، مستخدمين 165 ألفاً من البلطجية المسجلين خطراً ويقبضون رواتبهم من قادة الفلول بعد أن كانوا يتقاضونها من أمن الدولة ومسلحين بالبنادق والسنج وزجاجات المولوتوف ومباركة الذليل المخلوع، بالإضافة إلى استخدامهم السلاح الأشهر لقائد قوات الفتنة الأمنية الشهير باسمه الحركى المعروف بـ«حبيب العادلى» فى إحداث الوقيعة بين الشعب المصرى وقواته المسلحة للانقضاض النهائى على الوطن ملوّحين بالتواطؤ الأزلى مع رافعى شعارات دولة الخلافة، وفى ليبيا يوجد امتداد أذيال رافعى الشعارات نفسها يجهزون أسلحتهم تحت دعوى «القبائلية» ليفجروا فى ليبيا الصراع على اقتسام ثروة النفط، فاللهم خيّب ظنهم ومسعاهم هنا وفى ليبيا ولا تجعلنا من المطمئنين طمأنينة الغرق.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة