كيف نفسر احتشاد عشرات الآلاف من أنصار الشيخ حجازى يوسف، الشهير بـ أبو إسحاق الحوينى أمام محكمة كفر الشيخ قبل ساعات من نظر دعوى السب والقذف التى رفعها الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية ضده؟
المشهد بدا وكأن الحوينى أرسل أنصاره لحصار المحكمة واستعراض قوة متوهمة من خلال هتافات منددة بالمفتى ومطالبة باستقالته لمجرد ممارسته حقه الطبيعى كمواطن تصور أنه تعرض للأذى على يد مواطن آخر، فأقام ضده دعوى قضائية وترك الفصل فيها للقضاء.
الشوارع المؤدية للمحكمة أغلقت تماماً ونصب أنصار الحوينى منصة تبادلوا من خلالها توزيع الاتهامات لفضيلة المفتى واستعراض أعدادهم والمناطق التى توافدوا منها وأعلنوا تدشين حملة أو قل "أم الحملات" لجمع مليار توقيع تأييداً لشيخهم، وكأنهم يقولون إن للشيخ الحوينى المتهم بالسب والقذف فى الدعوى المرفوعة، أنصاراً بالمليارات تضيق بهم أنحاء الجمهورية ويتوزعون فى مختلف بلاد العالم.
هل قصد الحوينى وأنصاره أن يقدموا صورة للناس بأنه فوق النقد والمحاسبة؟ عابر للبلاد وأنصاره المليارات قادرون على منع محاكمته؟ الإجابة المؤكدة بالنفى فالحوينى بشر خطاء يؤخذ منه ويرد عليه، يقع تحت طائلة القانون بالطبع ويعاقب لو أخطأ شأنه شأن أى مواطن آخر.
المفارقة أن الشيخ الحوينى رغم أنه أول العارفين بأنه بشر خطاء، يظن أنه أكبر من القانون ومن الحساب، وإلا لماذا لم يترك الفصل فى الدعوى للقضاء يعطيه حقه أو يقتص منه، ولماذا تصور أتباعه من خلال ما شهدناه اليوم أنهم قادرون على إرهاب السلطة القضائية، ومنعها من أداء رسالتها التى تضمن إقامة العدل، فقد تم تأجيل القضية إلى أجل غير مسمى لتعذر نظر الدعوى أمام القضاة المعنيين بعد محاصرة المحكمة والشوارع المؤدية إليها.
المفارقة الثانية أن الشيخ الحوينى الذى يشن حرباً شعواء على العادات المصرية التى تنزع لإضفاء القداسة على الأقطاب وأولياء الله ويهاجم التبرك بمقاماتهم أو التوسل بهم أو الصلاة فى مساجد تقام فيها أضرحتهم، وافق على أن يضفى عليه أتباعه قداسة أقطاب الصوفيين من أصحاب الأضرحة وهو مازال حياً، وقبل على نفسه أن يوضع فى مقام الأولياء الذين يتم تبرير أخطائهم وسقطاتهم، وكان أولى به أن يأخذ نفسه بالشدة إذا كان يعتبر نفسه من العلماء المتفقهين فى الدين.
المفارقة الثالثة، أننا فى الوقت الذى نحاول فيه أن نبنى دولة المؤسسات والقانون، دولة الثورة على الفساد والمحسوبية والفئات المتجاوزة، نصطدم كل يوم بمؤشرات تفيد باستبدال عصر استبدادى جديد بآخر قديم ورموز فاسدة، جديدة فى مظهرها برموز سقطت وزال نجمها، ولكن يبقى المشترك بين الاثنتين هو محاولة الالتفاف على القانون وتغليب المصالح الشخصية والأهواء الشخصية والمعتقدات الشخصية على ما سواها من مصالح عامة.
بعيداً عن نظرة كل منا لنفسه ونظرة أتباعه أو أحبابه وتقييمهم له، نحن جميعاً مواطنون متساوون بحسب الدستور، أو هذا ما ننشده، لا قداسة لأحد مهما كان منصبه، ولا عصمة لمخلوق فى تجاوز القانون وضوابط المجتمع، وأى تفريط فى هذه القضية يضعنا مباشرة أمام مسئولية هدم أركان الدولة القائمة والدولة التى نحلم بها، وعلى القائمين على إدارة هذا البلد أن يردعوا المتجرئين بجهلهم على هذا التفريط، أو يغادروا مواقعهم.