يبدو أن المجلس العسكرى يحكم البلاد تحت ضغط مجموعة من التناقضات، غير قادر على حسمها. التناقض الأول أنه لا يسمى الأشياء بمسمياتها، فهو لا يرغب فى السلطة، لكنه يمارس فعليا الحكم، لذلك روّج لمقولة عجيبة هى أنه يدير ولا يحكم!، وروّج أيضا لمقولة أعجب، وهى أنه يقف على مسافة واحدة من كل الأطراف والأحزاب السياسية، بينما أعلن عن دعمه المالى والإدارى لعدد من الأحزاب الشبابية، وهو دعم مطلوب، لكن يجب ألا يقوم به الجيش، لأنه يضعه فى دائرة السياسة ومشاكلها، والمقولة الأغرب أنه يرفض الرقابة الدولية على الانتخابات، ويقبل مشاهدة أو متابعة الانتخابات، والمفارقة أن المجلس لم يوضح الفرق بين المراقبة والمشاهدة والمتابعة، وأسباب رفض المراقبة ما دامت الانتخابات ستجرى فى شفافية ونزاهة.
أما التناقض الثانى فهو أن المجلس حمى الثورة، وكان شريكا فيها، ومع ذلك فهو غير قادر على استكمال تحقيق كل أهداف الثورة بالسرعة والكفاءة المطلوبة، كما لا يتعامل بطريقة ترضى شركاءه فى الثورة، إنما انفرد بالقرار، بدون تفعيل آليات الحوار الوطنى مع جميع القوى السياسية الرئيسية فى المجتمع.
التناقض الثالث أن المجلس يعمل على مواجهة البلطجة وفرض القانون، لكنه لا يريد استخدام القوة، أو الدخول فى مواجهات مع الشعب، وهو موقف نبيل، لكنه لا يصلح فى ظل عدم استعادة الشرطة لدورها المطلوب، واحتمالات حدوث أعمال عنف أثناء الانتخابات.
التناقض الرابع والأخير يمكن صياغته فى سؤال حول التحول الديمقراطى المطلوب، ودور ومكانة الجيش فيه، فالمجلس العسكرى يوافق- لأسباب كثيرة - على التحول الديمقراطى، لكن هل يوافق على وصول الإسلاميين للحكم، وتغيير الطابع المدنى للدولة، والتنازل عن الصلاحيات التى آلت للجيش منذ يوليو 1952؟
أعتقد أن جيش مصر العظيم بحكم تكوينه المدنى لن يوافق على الأمور الثلاثة، ومع ذلك فإن حقائق الواقع تشير إلى احتمال فوز التيار الإسلامى فى الانتخابات القادمة، وإلى ضعف القوى والأحزاب المدنية. من هنا لم يجد المجلس العسكرى بديلا عن الفلول لموازنة الثقل الانتخابى للتيار الإسلامى، والتأثير المحدود فى الريف للقوى المدنية، وبالتالى ربما لا يصدر قانون العزل، وإن صدر فسيأتى محدودا للغاية، ولن يؤثر قى القوة الانتخابية للفلول والقادرين عمليا- نتيجة نفوذهم المالى والأسرى- على كسب الانتخابات. هل يعنى ذلك أن المجلس العسكرى يريد برلمانًا تسيطر على أغلبيته الفلول، مع حضور مؤثر للقوى الإسلامية، لا يتجاوز 30% مثلا، وتمثيل مشرف للقوى المدنية؟، وهل يعنى ذلك أن المجلس العسكرى قد يغمض عينيه على حدوث تجاوزات فى الانتخابات تصب فى مصلحة الفلول؟.. شخصيا أستبعد ذلك، لكن توازنات القوى فى أغلب الدوائر قد تؤدى إلى تلك النتائج، مع حدوث تجاوزات يجيد الفلول ممارستها، خاصة أن الوجود الأمنى لا يزال ضعيفا.
أخيرا، هل يمكن تحقيق تحول ديمقراطى حقيقى فى ظل برلمان تقوده الفلول، وهؤلاء بالقطع- وربما الإخوان والسلفيون- سيتحالفون مع المجلس العسكرى، لأنهم تدربوا على التحالف مع أى سلطة، فوعيهم ومصالحهم تسير مع السلطة بغض النظر عن أفكارها ومواقفها، وبالتالى قد يأتى الدستور الجديد ليحافظ على الأوضاع الخاصة للمؤسسة العسكرية، وقد يمنع المجلس العسكرى دورا رقابيا على مجمل الممارسة السياسية، أى يقنن تدخل الجيش فى السياسة والحكم، وهو أمر يتضمن جوانب سلبية وإيجابية عديدة، تكشف التجربة التركية وكثير من تجارب أمريكا اللاتينية عن مخاطرها على مستقبل الممارسة الديمقراطية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الجزيرة
مقال فارغ ..
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور حسن
تلك التناقضات لا يراها الا قلة من الليبراليين والزين هدفهم القفز على السلطة لمعرفتهم بضعف
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور ماجد
الحقيقة أن الفجوة تتسع بين الشعب و بينكم يا عم شومان و المصيبة انكم مش حاسين!
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس أحمد عبد الهادى
90% من الشعب المصرى يساند و يحترم الجيش و المجلس العسكرى و لا يرى تناقضاتك تلك !!
عدد الردود 0
بواسطة:
مجمود الكامل
مقال فى الصميم
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف
اي حكاية الدكاترة اللي بيدفعوا عن المجلس العسكري