فى أسبوع واحد ألغى برنامج «الحلم المصرى» الذى كان يقدمه عاطف كامل على القناة الأولى فى التليفزيون المصرى، واعتذر يسرى فودة عن تقديم برنامجه «آخر كلام» على قناة «أون تى فى». سبب إلغاء البرنامج الأول - حسبما نشر - هو استقبال مكاملة هاتفية من أيمن نور تشير إلى أن أحداث ماسبيرو كانت مدبرة، وهناك تشكيلات هجومية من حى بولاق كانت فى انتظار المتظاهرين. أما سبب إلغاء البرنامج الثانى فهو ما سماه يسرى فودة التضييق على الحرية الإعلامية، خاصة بعد إلغاء حلقة كان ضيفها الناشط والروائى علاء الأسوانى، تتناول حوار اثنين من الإعلاميين، منى الشاذلى وإبراهيم عيسى مع أعضاء فى المجلس العسكرى.
حدثان فى أسبوع واحد تقريبًا يدقان جرس إنذار على مستقبل الحريات الإعلامية فى المجتمع المصرى، يضاف إليهما ما حدث فى الأسابيع الماضية من حديث عن «الرقيب» فى الصحف، وإغلاق مكتب الجزيزة مباشر، وتوجيه إنذار إلى «أون تى فى».
الغريب أن يحدث ذلك فى البرامج ذات الطبيعة السياسية، ولا يمتد إلى البرامج التى تبثها القنوات الدينية على اختلاف ألوانها وأشكالها وتحث صراحة على التطرف، والطائفية، وكراهية المختلفين فى الدين، ولا تمتد كذلك إلى قنوات أخرى تنشر الخزعبلات والخرافة وتروج لعلاج أمراض باستخدام أدوية مجهولة المصدر. فى حدود علمى لم يحدث - فى الشهور الأخيرة - أن وجه إنذار إلى قناة دينية يحذرها من عدم الالتزام بآداب الحديث، والأخلاق العامة عند تناول المختلفين فى الدين، ولم تغلق قناة أو يوجه لها إنذار تنشر الخزعبلات، والأدوية التى تعالج كل الأمراض فى آن واحد.
التعامل مع الإعلام يشهد حالة من التخبط، بين شعور سكان «ماسبيرو» بأنهم تحت هجوم نيرانى من الفضائيات، ووجود معارضة قوية تنشط داخل المبنى، وبين وجود حالة حقيقية لمناقشة ما يجرى فى البلاد بوضوح وشفافية فى برامج فضائية تبث على الهواء.. هناك شعور دفين بأن هناك رغبة فى السيطرة على الإعلام الفضائى بدعوى التنظيم، وعادة ما ينظر الناس إلى أى محاولة للتنظيم فى مجتمعنا على أنها رغبة فى فرض قيود، ما ظهر منها وما بطن، خاصة أن البعض يقول إن الدول الديمقراطية لديها مؤسسات تراقب وتنظم البث الفضائى، هذا جيد، ولكن هذه الدول لديها تقاليد ديمقراطية بعيدة، وثقافة سائدة، وقانون صارم يجعل من تدخل هذه الأجهزة فى تحديد سقف الحرية الإعلامية أمرًا مستبعدًا. ويجب أن نتذكر أنه عندما عدل مجلس الشعب المادة «76» الشهيرة فى دستور 1971 الخاصة بشروط ترشيح رئيس الجمهورية، وجرى تفصيلها على مقاس الوريث جمال مبارك، سمعنا من قال إن هناك دولاً أخرى تأخذ بما ورد فى المادة من ضوابط، ونحن لسنا أفضل من غيرنا، ولم يقل لنا أحد إن فى هذه الدول لم يحدث أن ظل رئيس بها مدى الحياة، أو سلم السلطة لنجله فى عين حياته.
المعيار الوحيد للرقابة على مضمون ما ينشر فى وسائل الإعلام هو المواطن نفسه، الواعى والمستيقظ، الذى يستطيع أن يفرق بين الغث والثمين، الجاد والهزل.. والذين يتحدثون عما تقدمه بعض الفضائيات من إثارة، لماذا لم يسألوا أنفسهم عن سبب إقبال الناس على مشاهدة البرامج الفضائية؟ ولماذا دائمًا التركيز على الإثارة السياسية دون أن تمتد لتناول الإثارة الطائفية. هل السياسة ملعب مقيد، بينما الطائفية ملف بلا صاحب.
دعونا نتحلى بالجدية، الإعلام بالفعل يلعب أدوارًا متنوعة ما بين رفع الوعى، والتنبيه إلى مخاطر حقيقية أو محتملة، لكنه فى الوقت نفسه قد يبعث برسائل تحريضية. المطلوب هو إيجاد هيئة مستقلة يشكلها البرلمان، تطلع على المضمون المقدم من الإعلام فى ضوء ميثاق مهنى واضح، لا تكون وزارة الإعلام طرفًا فيه.
عدد الردود 0
بواسطة:
معتز
لا ياسيدي