أرجوك لا تنظر إلى الأزمة المشتعلة بين القضاة والمحامين على أنها مجرد خناقة بين طرفين على مناطق نفوذ، وأرجوك لا تنظر إليها بمنظار أضيق من ذلك وترى أن ماحدث هو خناقة بين محام بروب أسود وقاض فوق منصة، كل منهما يبحث عن صناعة جو برتسيجى – من البرتسيج يعنى- حول نفسه لاستخدامه فى المنظرة على خلق الله.
أرجوك ضع القضية فى حجمها الكارثى، وانظر إليها من بعيد حتى ترى صورتها كاملة أو بمعنى أدق حتى ترى الأزمة بوجهها القبيح، وتعرف أننا أمام صراع لا دخل للوطن به، إلا إذا وضعنا التضحية به فى عين الاعتبار، نحن ياسيدى أمام صراع حصانات، أمام فئتين من المجتمع هما أكثر الفئات احتكاكا وعملا بالقانون، وثبت لنا من أزمة قانون السلطة القضائية، ومن قبلها أزمة محامى طنطا أنهما أكثر فئات المجتمع إهانة للقانون.
ما حدث على مدار الأيام الماضية بين القضاة والمحامين، وشاهدته أنت بعنيك يشبه معارك أطفال الروضة، ومدارس الإبتدائى، وتلك اللهفة المشتعلة التى تطل من وجوه المرشحين للبرلمان، وهم يتحدثون عن ضرورة الحفاظ على الحصانة ويحاربون الأصوات التى تطالب بحصر حصانة النائب البرلمانى داخل قاعتى مجلسى الشعب والشورى فقط جزء من هذا الصراع الذى يبدأ بلماذا يجعل وكيل النيابة زجاج سيارته «أسود فاميه» ولوحة السيارة سوداء، بينما المحامى لا يستطيع أن يفعل ذلك؟ وينتهى بلماذا يستطيع ضابط الكمين أن يمارس رذالته على كل المواطنين ولكنه يقف انتباه حينما تمر سيارة مستشار، أو نائب برلمانى حتى ولو كانت من غير نمر ورخص؟.. للأسف ياسيدى هو صراع لا يمكن أن تتعاطف مع أحد أفراده، لأنه ببساطة صراع شخصى بحت، مصيبته الحقيقية أنه دائما مايكون على حساب الغلابة من المواطنين.
من هذه الزاوية يمكنك أن تنظر إلى أزمة القضاة والمحامين، وترى كيف يفضل طائفتان هم الأعلى فى سلم الدولة والمجتمع مكاسبهما الشخصية على دولة يعلمون جيدا أنها تترنح وتعانى من «دوخة»، وتجتهد من أجل أن تقف على قدميها بعد الثورة، خيانة هذا الوطن هى التهمة التى يمكنك أن توجهها إلى صدر المتعاركين من أهل القانون الذين اختاروا طريق هدم الدولة بدلا من المشاركة فى بنائها من جديد، وكأنهم يقولون للناس فى الشوارع، لا تثقوا فى القضاء الواقف والجالس، فكيف تثقون فى أشخاص يتصارعون على متر نفوذ زيادة، ويبحثون عن مادة قانونية تمنحهم وجاهة وسلطة إضافية.
من هذه الزاوية سترى منصة قضاء نفخر بها ونتحاكى بنزاهتها ،ومع ذلك ينزلون بها إلى فخ المهاترات ومعارك بسط السيطرة والنفوذ التى كنا نشاهدها فى عالم الحيوان كل جمعة عقب الصلاة، وسترى عشرات الآلاف من المحامين مضربين ومتظاهرين بسبب مادة فى قانون، لم يتم إقراره بعد، ويمكن إدارة نقاش حولها بشكل أكثر تحضرا، بينما تعانى نقابتهم من عشرات الأمراض، وتعانى مهنتهم من آلاف المتطفلين الذين جعلوا سمعتها فى التراب بالنصب على المواطنين والتجارة بأحلام الفقراء من أصحاب التعويضات.
انظر للصورة من تلك الزاوية ياسيدى، وسترى نخبة تسعى لطمس معالم ثورة شابة وهدم الدولة بدلا من هدم النظام الذى انهارت بعض أطلاله، ولكن بقى غبارها ضبابا طائرا يعمينا عن الرؤية، ودخانا أسود يهدد المستقبل بالاختناق.