لاشك أن أحداث ماسبيرو الأخيرة تعد أخطر ما واجه الوطن ولا أقول الثورة فحسب، وذلك لأنها أسقطت ورقة التوت التى كانت تخفى عورات ثقافة الكراهية.
بداية كلنا نعرف أن الثوار الشباب حينما خرجوا فى 25 يناير لم يستهدفوا إحداث ثورة، لكنهم أحدثوا ثغرة فى الجدار تدفق من خلالها إعصار من ملايين الكادحين، مما استوجب على التحالف الطبقى الحاكم، التضحية برأس النظام، وتفويض المجلس العسكرى للحكم لاستمرار المصالح الطبقية والاجتماعية للتحالف الحاكم حتى لو على حساب التخلص من بعض الرموز الفاسدة للنظام السياسى.
ولمواجهة القوى الاجتماعية التى أنجحت الثورة اضطر من يديرون الفترة الانتقالية إلى الاستعانة بقوى الإسلام السياسى لما بينهما من تجانس طبقى وسمات ثقافية مشتركة ترتكز على «الطاعة/ التراتبية»، واستمر هذا التحالف فى مناورات لكسب الوقت منذ الاستفتاء الدستورى فى 19 مارس وحتى 28 يوليو حيث فوجئ المجلس العسكرى بصراع أجنحة الإسلام السياسى «السلفيين والإخوان» على إثبات من هو الأكثر خدمة للمجلس، وأسفر هذا الصراع عن رغبة المجلس العسكرى فى الحفاظ على الوجه المدنى للتحالف الطبقى الحاكم حفاظاً على الصورة النمطية للنظام السياسى المصرى أمام العالم.. وأسرعت بعض القوى المحسوبة على مدنية الدولة بتقديم العون للمجلس العسكرى عبر مجموعة مقترحات مثل «المبادئ فوق الدستورية»، وبرزت على السطح صدامات طائفية «أطفيح- المقطم- إمبابة- الماريناب- وأخيراً ماسبيرو» كنتاج لكشف الغطاء عن ثقافة الكراهية، وبعيداً عن التحقيقات الرسمية، فإن ما حدث فى ماسبيرو هو نتيجة التهديدات السلفية للجماعة القبطية والتى أسفرت عن شعور الأقباط بخوف وجودى أدى إلى مزيد من التربص وتبادل الكراهية، وكان مخزون هذا الخوف الوجودى هو الذى أشعل الصدام بين أفراد من الشرطة العسكرية وبعض المتظاهرين الأقباط، كطرفين امتلكهما الهلع من بعضهما البعض حتى الموت، ومن ثم فوجئ المجلس العسكرى بثغرة ماسبيرو، فلجأ لطرف جديد فى التحالف الطبقى تجمعه معه سمات مشتركة وهى «التراتبية / الطاعة»، أعنى بذلك الأكليروس المتنفذ من البابا وأساقفة الكنيسة المصرية، وتم تبادل الزيارات، إلا أن الخروج القبطى من أسوار الكنيسة بعد 25 يناير بات من المستحيل أن تتم السيطرة عليه من قادة الكنيسة مرة أخرى.
الأخطر أن مأساة ماسبيرو كشفت عن وجود قطاعات لا يستهان بها فى الإعلام المصرى والتيارات الدينية الإسلامية والمسيحية تتبنى ثقافة الكراهية، كما أن شعور قطاعات قبطية لا يستهان بها بانسداد الأفق يهدد بازدياد تفجيرات براكين شبيهة بماسبيرو، ومع كامل احترامى للقوات المسلحة المصرية، فإن موقعة ماسبيرو أكدت على جرأة طرف ثالث على محاولة هز هيبة الجيش أمام الرأى العام، وهذا هو الخطر البين المقبل. وذلك من أجل إخراج المجلس العسكرى من معادلة الحكم تمهيداً للسيطرة على البلاد من خلال الانتخابات المقبلة.