كل الفئات فى مصر تشعر بالظلم.. أمناء الشرطة هم أحدث الفئات التى أعلنت غضبها ورفعت مطالبها وأعلنت الإضراب وحاصرت وزارة الداخلية. أمناء الشرطة مثل عمال النقل العام والغزل والنسيج وموظفى الزراعة والصحة والبريد والاتصالات والمعلمين، وكل الفئات التى تشعر بالظلم والتفرقة، وتطلب زيادة الرواتب والعلاج والبدلات وتحديد ساعات العمل وتوفير حياة إنسانية. وهى مطالب مشروعة، تدور حول الحد الأدنى، بعضها لا يمكن تأجيله، وبعضها الآخر بعيد المدى نسبيا ومرتبط بعودة المؤسسات السياسية والتشريعية وأن تكون هناك حكومة منتخبة ومسؤولة أمام الشعب وبرلمانه.
وهذا لا يعفى الحكومة الحالية والمجلس العسكرى من التفاعل مع الوقفات والاحتجاجات قبل أن تتسع، وفى قضية أمناء الشرطة أحد أعمدة الأمن، فهم مثل غيرهم تعرضوا للإهمال ضمن حالة فساد عام ضربت جذور المجتمع خلال 20 عاما على الأقل. وكان الفساد داخل هذه الفئات مسموحا لتعويض الحقوق المهدرة، ضمن صيغة «كل مواطن يده فى جيب غيره».. الأمناء كانوا ضحايا للظلم، مثلما كانوا أدوات لتنفيذ القمع وضمان عدم الاعتراض عليه.
ولا يمكن الحديث عن تحقيق أمن وهيبة للشرطة أو ضمان حقوق الإنسان، بينما أدوات تحقيق ذلك فاقدة للهيبة ومهدرة الحقوق. وزير الداخلية منصور العيسوى بعد إضراب أمناء الشرطة تفاوض معهم واستمع لمطالبهم وقرر الاستجابة لبعضها، وهو تحرك إيجابى لكنه يطرح سؤالا: هل كان من الممكن أن يستجيب الوزير قبل أن يضرب الأمناء؟ والإجابة على هذا السؤال تقدم المبرر لإضراب الأمناء، وتشير إلى ضرورة أن يتم تحديد الفئات الأخرى داخل وزارة الداخلية وأيضا داخل الحكومة التى تستحق الإنصاف، والتى يتوقع أن تعلن الغضب والإضراب، حتى يمكن سد الذرائع وإغلاق الأبواب التى تهب منها رياح الغضب.
لقد اكتشفنا بعد إضراب الأمناء أنهم بلا نظام للعلاج، ولا ساعات عمل محددة، ولا قواعد للترقية أو العقاب، ويفترض قبل أن نوجه اللوم للأمناء بالفساد والقمع أن ندرك أنهم أيضا ضحايا لسنوات من الفساد وغياب المنطق أو القانون.
الأمناء مثل غيرهم من الفئات تعرضوا للظلم والإهمال، فى ظل النظام السابق مثل كثير من الفئات، وهو ظلم ليس وليد اليوم لكنه تراكم عقود طويلة، كان النظام يستند على الأمن لإسكاتهم، دون أن يبذل أى جهد لعلاج الاختلالات، كان مبارك ونظامه وأجهزة أمنه مشغولين فقط بتوفير الأمن، يسلطون المجتمع على بعضه. كان الأمناء إحدى أدوات القمع، بينما هم أنفسهم مقموعون مثل غيرهم من الفئات التى كانت متسلطة على بعضها. واكتشفوا كل هذا مع الحرية، ربما نلوم عليهم حصار المديريات وتعطيل المطار، لكن الحديث عن كون هذه المطالب فئوية، يتجاهل أن السياسة هى مجموعة مطالب فئوية.. منها توفير الحد الأدنى من الدخل والعلاج والمسكن والحياة الإنسانية.