هل تشعر بالغيرة من الخطوات الثابتة الواثقة التى تقطعها تونس نحو البداية الديمقراطية الاستقرارية؟.. هل تشعر بغضب داخلى حينما تكتشف أن طريق المرحلة الانتقالية فى تونس ناعم وممهد، ويبدو من بعيد بلا أفخاخ، بينما طريق مرحلة مصر الانتقالية مثله مثل الدائرى والمحور وشارع فصيل، تحت سيطرة هواة عدم الالتزام بالمرور والقانون، وهواة الازدحام والمطبات والحفر والأفخاخ التى إن لم تصب سيارتك فى مقتل، تصنع زحاما لا ينتهى إلا برضا ربانى، أو بعد أن يكون الوقت قد عدى وفات؟!
الأمر بالطبع لا يعود إلى فروق فردية، أو لصدق نبوءة السيد عمر سليمان، ومن قبله الدكتور أحمد نظيف، بخصوص عدم نضج الشعب المصرى، واستعداده لممارسة اللعبة الديمقراطية، وإن كانت تجربة الشهور القليلة الماضية أثبتت أن هذا العيب جزء أصيل من تركيبة النخبة المصرية التى أظهرت مواقفها تجاه الاستفتاء على التعديلات الدستورية ونتيجته، أنها مازالت فى مرحلة الخضار وعدم النضوج، كما قال الدكتور نظيف متعه الله بذل السجن، وسوء رفقة جدرانه الأربعة.
حتى تقترب الأمور بالنسبة لك أكثر وأكثر دعنى أخبرك بأن الفرق بين هذا السير التونسى المنتظم نحو عهد مابعد «بن على» وديكتاتوريته، وهذا التعثر المصرى الذى أدى إلى توهان ضاعت معه معالم النفق الذى منه نعبر إلى عصر مابعد مبارك، يشبه الفرق بين الطريقة التى كان يلعب بها حسن شحاتة فى بطولات أفريقيا القائمة على البركة وذبح عجلين لزوم فك النحس، والطريقة التى يلعب بها المنتخب الإسبانى أو الألمانى أو جوزيه مورينيو مع ريال مدريد، بما فيها من انضباط خططى، وأجندة مستقبلية واضحة.
الفرق أيضا سببه أن زين العابدين بن على طغى وتجبر، وحرم التوانسة من الحرية، بينما مبارك أضاف إلى طغيانه وتجبره وسرقته للحرية بعدا جديدا، وهو تجفيف منابع العلم والمعرفة ونشر بذور التعصب والفوضى والعشوائية.
الإخلاص عامل مهم ساهم فى صناعة الفرق بين طريق تونس وطريق مصر.. لا تدفن رأسك فى الرمل ياصديقى، وتعال نعترف بأن عددا كبيرا جدا من أهل الحل والعقد، وأهل الأحزاب والسياسة والقوى الثورية، يعانون نقصا حادا فى خلايا الإخلاص، وإن وجدت فهى فى الأغلب خلايا فاسدة. الأمر لا يحتاج إلى ميكروسكوب أو معمل تحاليل لكى تكتشف ذلك، فأهل الحديث باسم الثورة والسياسة يشبهون إلى حد كبير حمَلة الأسهم فى غزوة أحد، كانوا أول من أشعلوا شرارة المعركة، وأول من هرولوا وتركوا مواقعهم النضالية، سعيا خلف الغنائم، تاركين مواقعهم للخصوم والفلول والفاسدين.
الفرق بين مصر وتونس يتضح أكثر حينما تكتشف أن أحدا من أهل تونس الخضراء لم يتقدم ويطلق على نفسه «المرشح المحتمل للرئاسة»، ويشغل الناس على مرحلتهم الانتقالية بصراعات أخرى ونقاشات جدلية حول من يصلح، ومن هو مدعوم من الخارج، ومن هو ذا المحظوظ الذى يكون كرسى الحكم من حظه ونصيبه؟.. ركز الناس فى تونس على وضع خطط انتقالية تمهيدية، بينما فى مصر كنا نفكر فى الرئاسة قبل أن نعرف مصير مبارك، أو موعد انتخابات اتحاد الطلبة أو البرلمان.
8 مرشحين محتملين للرئاسة من النجوم، أمثال البرادعى وصباحى وموسى وأبوإسماعيل، وغيرهم من عشرات المجاهيل والباحثين عن الشهرة شغلونا عن عمد بصراعاتهم وحملاتهم الهزلية، وتصريحاتهم المستقبلية الوردية، وبرامجهم التى لم تختلف كثيرا عن تصريحات وبرامج مبارك الانتخابية. هذا هو الفرق الذى تبحث عنه بين الوضع فى تونس والوضع فى مصر.. الإخلاص ياسيدى ولا شىء غيره.