مازال الحديث عن تونس وسيرها المنتظم نحو عهد جديد مستمرا، ليس فقط لأن هذاالنوع من الكلام قد يمنحك الكثير من الأمل على اعتبار أننا من يد تونس حملنا مشعل الثورة، وربما من يدها أيضا نحمل الشعلة التى بها نعبر من نفق المرحلة الانتقالية الضبابية، ولكن لأن الوضع فى تونس يشبه إلى حد كبير الحالة فى مصر بنفس أمراضها ومشاكلها.
تونس أيضا كشفت لنا عن العديد من الوجوه الإعلامية القبيحة التى تدعى الديمقراطية وتهتف باسم الثورة، ولكنها تفكر على طريقة نظام مبارك، بدليل أن أغلب مقدمى برامج التوك شو فى الفضائيات المصرية كان لديهم تعليق واحد اختلفت صياغته من شاشة إلى أخرى، ولكنه يحمل نفس معنى التصريح الذى أطلقه الإعلام الحكومى ورجال نظام مبارك حينما اشتعلت الثورة فى تونس، وبدأت رياحها فى الانتقال نحو الأراضى المصرية فردوا قائلين: «مصر ليست تونس».
هكذا بالضبط علق الإخوة والأخوات من أهل النخبة والفضائيات على فوز «النهضة» أو الإسلاميين فى تونس، وكأنهم يطمئنون أنفسهم أو يخدعون الجمهور بأن الإخوان والأحزاب السلفية لن تتقدم السباق البرلمانى القادم، وهو تصور يعلمون هم أنه واهم ولكن ما بيدهم حيلة، فهكذا تم تقسيم الأدوار على أرض السياسة منذ فترة.. ينتشر الإخوان وعلى غرارهم السلفيون فى الشارع بجمعيات وخدمات، ويتواصلون مع الجمهور رافعين سلاح الدين والخدمات، باذلين مجهودا حقيقيا فى التواصل مع الناس ومشاكلهم، بينما يكتفى الإخوة من أهل اليسار والليبرالية بالظهور الفضائى والتنظير على الهواء مباشرة.
فى تونس لم يكن الوضع مختلفا، كان الكل يلعب دوره بانتظام، وحينما حانت لحظة إعلان النتيجة المعروفة مسبقا، كان لابد على الخاسرين من أحزاب اليسار والليبرالية أن يلعبوا لعبة الصدمة، ويسعون لإفساد الأجواء الانتخابية المحترمة وضرب كرسى فى كلوب أو تحرك تونسى حقيقى نحو الديمقراطية عبر الإشاعة بأن الإسلاميين قاموا برشوة الناس، واستغلوا الدين وأن الانتخابات كانت مزورة، وأى أسباب أخرى تشبه أسباب «البليد» أو الفاشل وهو يبرر لماذا نجح الآخرون ولم يستطع هو أن يلحق بهم!
فى مصر يحدث ذلك قبل الانتخابات وقبل النتائج، يستبق أهل النخبة والثورة الحديث عن فوز إخوانى وسلفى بسبب الدين والأموال الطائلة ويسعى بعضهم لإفساد الانتخابات قبل أن تبدأ، أو تقديم مبررات لفشل يعلمون جيدا أنه محتوم لأنهم لم يستعدوا جيدا للمعركة ولم ينزلوا إلى الشارع أصلا لكى يعرفوا فيما يفكر وماذا يريد.
ستكشف النخبة عن وجهها القبيح بعد الانتخابات، وسيبدو كفرها بالديمقراطية وصناديق الانتخابات جليا وهى تحاول أن تشوه أى فوز إسلامى وتعتبره فوزا مغشوشا بمساعدة الدين أو أموال الأجندات المدفوعة، أو بسبب جهل الناس وسذاجتهم وفقدانهم أهلية الاختيار والتمييز بين الجيد والسيئ، سيفعلون كل ما هو على حساب مصر وسيسعون لإفساد الانتخابات مثلما يحدث فى تونس الآن، لأنهم لا يمتلكون ردا مقنعا على سؤال واحد فقط: أين كانوا حينما كان الإسلاميون يغزون الشوارع بخدماتهم وشعاراتهم الدينية؟!