ماهر فرغلى

حسام تمام رحّال الحق والحقيقة

الجمعة، 28 أكتوبر 2011 09:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت قد تواعدت معه على الذهاب إليه الخميس الماضى لوضع الخطوط العريضة لكتاب جديد سأقوم بمساعدته فيه، نظراً لظروفه المرضية الشديدة، وبنفس الطريقة التى قام فيها بعمل كتابه الأخير وهى تحرير الكتاب، قال سننسى أنفسنا أنا وأنت ولكننا سنقدم خدمة كبيرة للأجيال.

كان كله أمل.. لآخر لحظة وهو يفكر فى كتاباته، القلم والورق والجرائد والكتب تحيط به فى مستشفى الشيخ زايد الذى قضى فيه أيامه الأخيرة.

وكعادته دائمًا يسأل عن حياتك وظروفك وعملك ومشاكلك، ويرفع التليفون بصعوبة، ولكنه لا يشعرك بشىء، سوى أنه لابد وأن يساعدك، وأثناء ذلك لا ينسى أن يقدم لك نصيحته التى لم أحسب أنها ستكون الأخيرة التى أتلقاها منه.. "ثق أن عملك صعب، وهذا الملف من أصعب الملفات، فلو كتبت ناقداً قالوا لأنه كان معنا وتركنا، ولو كتبت مادحاً قالوا لأنه منهم، فاكتب بموضوعية وانس ما يقولون".

لم تفصل سوى عدة أيام بينى وبين هذه الكلمات ولم تفصل سوى ليلة واحدة كنت سألتقى معه لنكمل حديثنا، ولكن مات حسام تمام ومضى الباحث والمفكر والرحّال الذى دار العالم ليكتب عن الحركة الإسلامية، ليس فى مصر وحدها ولكن فى كل العالم، ويرحل من هنا إلى هناك ليكتب برؤية واقعية ويبحث عن الحقيقة التى جهلها غيره وكتب هو عنها بموضوعية.

حسام تمام هو أول من أسس مرصدًا لدراسة الحركة الإسلامية، وهو أول من ارتقى بهذا الملف حتى جعله أكبر الأقسام بشبكة "إسلام أون لاين"، ورأس تحرير "إسلاميون بوابة الطرق الصوفية والحركات الإسلامية" لتكون منبرًا ومنبعًا لمن يبحثون ويكتبون عن هذه الظاهرة.

وبالفعل كما قالوا عنه إنه استطاع خلال سنوات قليلة أن يحفر اسمه فى مجاله.. متفوقا على أقرانه.. ومقاربا لمن سبقوه.. وجعل لنفسه مكانة بينهم فرضت على الجميع حالة من التقدير والإعجاب الذى فرضه قلمه.

وكان إنسانا بمعنى الكلمة وهذا يعرفه كل من اقترب منه.. فكان دائما ما يسعى إلى إيجاد فرصة عمل لكل من يعرفهم.. ولا يخدش أحدا بلفظ.. بل كان متحفظا فى كلامه لا يسىء لأحد.. وكل كلمة عنده لها حساب.. لا يذكر أحدا بسوء.. ولا يتأخر عن أحد إذا قصده فى أمر مهما كان.

وقد شارك فى الثورة رغم مرضه القاتل منذ يومها الأول.. وكان بمفرده يشكل مكتبا إعلاميا لها.. وكان يشارك فى قيادة جماهير الثورة فى ميدان الرمل بالإسكندرية.

عرف العالم حسام ولم يعرفه الكثيرون فى مصر، فكان له جماهيرية كبيرة وبالأخص فى المغرب والجزائر وتونس ومسلمى فرنسا، وزيورخ التى كان يحاضر فى جامعتها، وأخيرًا فى مكتبة الإسكندرية التى رأس "وحدة الدراسات المستقبلية" فيها.

لا أنس أول مرة أقابله فيها وكانت فى المركز الثقافى الفرنسى وهو يعطى تقييماً لحالة الإسلام فى أوربا، ويتحدث عن ظاهرة "الإسلام فوبيا" بين الأوربيين، وأعطاه أحد الرفاق دراسة عن الحاكمية عند أنصار السنة المحمدية، فصمم أن يطلع على المسألة من المرجع الأساسى قبل نشر الدراسة.

كانت الدقة هى العلامة الأساسية لحسام تمام، وكانت الإنسانية بمفهومها الشامل هى طبيعته، فقد كان يسعى لجعل الفريق الذى يعمل معه فى مكانة عالية ويقول "إن الرجل الصفر يحب الناس أن تكون أصفارا، والرجل الذى له قيمة يحب الناس أن تكون لها قيمة"، فنفاجأ بأنه يسعى هنا وهناك ويتصل بهذا وذاك، لكى نكون نحن فى مكانة عالية، وكما قال لى رئيس مكتب الجزيرة السابق حسين عبد الغنى "إن حسام كان إنسانا لقد أوصانى على أحد أصدقائه فى عمان"، ولما قلت له قد أصبحت وحيداً فى القاهرة بعد حسام ودمعت عيناى، أخذنى بين يديه وقال لى "إنك لم تفقده بمفردك ولكن مصر كلها قد فقدته".

عاش حسام لقضية أرى أنه أدى فيها بأمانة وعندما قضى ومضى إلى الدار الآخرة كان قد وصل فيها إلى مبتغاه، وترك الموقع البحثى الإسلاميون، على شبكة الإنترنت وفريق عمل بنفس مدرسته وبنفس طريقته، وأرى أن هذا الفريق قادر بإذن الله أن يحمل نفس الأمانة ويحمل نفس المشروع إلى نهايته.

وحتى عندما قضى حسام ومضينا به إلى حيث سيمكث فى قبره بمدينة الإسكندرية، تحولت جنازته إلى ملتقى لكل الرموز والأفكار، د.عبد المنعم أبو الفتوح، د.ناجح إبراهيم، د. عمرو الشوبكى، د. عمرو حمزاوى، وغيرهم عشرات ومئات من الشخصيات التى لا أستطيع أن أحصيها، وفى منزله تحولت جلسة تأبينه إلى حديث حول الثورة والحركة والمستقبل، وكأن حسام بكل تفاصيله معنا، وكأن روحه الخلاقة المبدعة ترفرف حولنا.

أصبحت الدنيا مثل ثقب إبرة، كحلم وكابوس ثقيل، والفراق حول النهار إلى ليل أسود بهيم، وبصوتى المجهد أنعى حسام لكل الأمة الإسلامية.

يبكيك قلمك الذى فقدك يا حسام، وينعيك أصدقاؤك ومحبوك الذين رافقوك، وأهلك الذين عاشروك، وأبكيك أنا.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة