سنوات كثيرة انتظر الناس فى مصر أن يتحرر القضاء، وكان استقلال القضاء جزءا من معركة التحول الكبرى فى مصر، وكان الاعتداء على القضاة فى الشارع مؤشرا على الفوضى وانهيار النظام.
كان التصور أن يستقل القضاء عن السلطة - أى سلطة - سواء كانت سلطة الرئيس أو الحكومة أو البرلمان، وأيضا الاستقلال عن سلطة الإعلام والسياسة وأى سلطة خارجية، والحصانة هى للقانون وللعدالة والمجتمع.
عندما جاء الوقت لبناء قضاء مستقل أصبحنا أمام محاولة لبناء سلطة للقاضى وليس للقضاء، للمنصات وليس للمجتمع، وصراع بين القضاة والمحامين حول الحصانات لا يصب فى صالح المجتمع والمواطنين.
قضية استقلال القضاء تاهت وسط الصراع بين القضاة والمحامين، حول شكل الحصانة التى يريدها كل طرف لنفسه بصرف النظر عن هدفها الأساسى.. معركة ليست من أجل العدالة، لكن من أجل أن يحصل كل طرف على سلطة تطبيقا للمثل «بيت أبوك وقع الحق خد لك منه طوبة».
لقد كان القضاء والمحاماة مثل كل المؤسسات أصابهما ما أصاب النظام السياسى من عطب، شيخوخة نظام وتدخلات سلطة، وتوريث وفساد.
صحيح أن السنوات الأخيرة شهدت مواقف وأحكاما للقضاء أعلت من قيمة العدالة والقانون فى مواجهة انحراف السلطة التنفيذية والتشريعية، لكن كانت هناك أحكام أخرى بررت وحصنت انحرافات دستورية وتشريعية، أخطرها كان تحصين انحرافات الخصخصة والتلاعب فى الدستور مرات باسم المادة 76 بأيدى مبارك وترزيته. واصطبغت بعض الأحكام فى قضايا الحسبة بالسياسة، واختلطت الآراء الدينية بالقانونية، وكان هناك خلط بين احترام هيبة القضاء والتعتيم على أى انحرافات لأطراف فى مؤسسة العدالة فى المجتمع.
ونفس الأمر فى المحاماة التى لم تكن بعيدة عما يجرى، ومنهم من انحرف بالعمل واستفاد من الطوارئ والأخطاء القانونية،ويمكن استعراض عشرات القصص داخل القضاء والمحاماة لفساد وخلط بين السلطة والقانون.. هذا قطاع مثل كل مجتمع وكل فئة فيها الشريف والفاسد، الشرير والطيب.
الأمر إذن أكبر من المادة 18 التى يختلف حولها المحامون والقضاة حول سلطة القاضى والمحامى فى الجلسة، متناسين أن هذه السلطة هى للشعب، وأن الحصانة من أجل العدالة وليس من أجل أفراد.
عجز القضاة والمحامون عن إدارة حوار حقيقى من أجل استقلال القضاء ومصالح المتقاضين، ولم ينشغلوا بأمراض العدالة وأخطرها طول مدد التقاضى وضياع حقوق المتقاضين والإجراءات المعقدة التى تفتح باب الفساد.. تحولت معركة استقلال القضاء إلى صراعات شخصية، كل طرف ينشر الغسيل السيئ على أحبال الفضائيات، أضرب المحامون وعطل القضاة المحاكم دون أن ينشغلوا بالموضوع الرئيسى الذى هو «استقلال القضاء من أجل الشعب وليس من أجل أفراد».. الأولى بالقضاة والمحامين أن يستعيدوا احترام ومكانة القضاء من أجل العدالة، وأن يتوقفوا عن هذا الغثاء.. حتى لا يتحقق استقلال القضاء بينما يتم احتلال حق المواطن.