لا مزايدة على الأمير نايف بن عبد العزيز، فهو واحد من أصحاب الإنجازات الأمنية والفكرية فى المملكة السعودية، إنجازاته تكفيه فهو ليس بحاجة إلى إنجازات جديدة ولا منحه ألقابا لن تضيف إليه، الأمير يكفيه ما فعله فى مواجهة الإرهاب الذى كاد يضرب أمن السعودية فى مقتل لكنه كان له بالمرصاد، وبحنكته جفف مصادره وضرب بيد من حديد ليحفظ للمملكة استقرارها، لكن مزايدة بعض وسائل الإعلام والكتاب ومنحهم لقبا جديدا للأمير بأنه صاحب الفضل فى تجربة المراجعات الفكرية للجماعات المتطرفة والتى سجلت عالميا باسم السعودية أمر فيه مغالطة لا أقبلها على السعودية ولا الأمير، المراجعة أو المناصحة، أيا كان الاسم، مكتوبة باسم مصر، هى صاحبة السبق وتجربتها فى المراجعات التى قامت بها الجماعة الإسلامية بدأت داخل السجون فى 1997 برعاية من الدولة وعندما تم الإعلان عنها فى عام 2002 تناقلتها كل وسائل الإعلام وجاءت إلى مصر لدراستها أكثر من 16 جامعة عالمية باعتبارها فريدة من نوعها على مستوى العالم، كان معرفا للجميع أن هذه المراجعة لم يسبقنا فيها أحد، قدمت للعالم كله نموذجا جديدا فى التعامل مع أصحاب الأفكار المتطرفة بعيدا عن السلاح والمواجهات الأمنية، كانت أول مرة تتخلى فيها وزارة الداخلية عن السلاح لصالح مناقشة العقول والمناظرات الفكرية التى تحل العقد وتفكك الأفكار الجامدة.
التجربة المصرية التى كانت رائدة وتحملها على عاتقه لواء راحل يستحق وسام الشجاعة فى قبره "اللواء أحمد رأفت" نائب رئيس جهاز أمن الدولة المنحل، رغم اعتراضات كل المسئولين عليها وتخوفهم منها تلقفتها من مصر كل الدول العربية واحدة تلو الأخرى، بدأت باليمن وتواصلت بالأردن ثم الجزائر والمغرب وكانت السعودية واحدة من المستفيدين منها، ولكنها زادت على التجربة المصرية بدعمها ماليا وإعلاميا، وصل الأمر إلى حد تخصيص سكن ومصدر دخل لمن يتراجع عن أفكار التطرف، كما أن الشيخ عبد المحسن العبيكان عضو مجلس الشورى وعضو لجنة المناصحة لأصحاب الفكر المنحرف داخل السجون السعودية طبع كتب المراجعات المصرية ووزعت على المدارس ليتعلموا منها كيف يحاربون التطرف بالفكر، صحيح أن العبيكان بعد ذلك ألف كتابا خاصا به عن المناصحة لكن من يقرأه لا يجد فيه اختلافا كثيرا عن كتب مراجعات الجماعة الإسلامية، وليس هذا عيبا يسىء للسعودية ولا أميرها الذى نقدره، الاستفادة من العلم متبادلة ومشروعة ومحترمة، ولكن الحقائق التاريخية لا يمكن تجاهلها، فمن حق السعوديين أن يفخروا بتجربتهم داخليا فى مواجهة الإرهاب، ومن حقهم أن نوجه إليهم الشكر على تحمسهم لكتب المراجعات التى أصدرتها الجماعة الإسلامية وألفها منظر الجماعة الدكتور ناجح إبراهيم، فطبعوها ووزعوها واهتموا بنشرها بينما كانت دور الطباعة المصرية تخشى الاقتراب منها، ومن حق السعوديين أيضا أن يرحبوا بمن كان له دور فى الاستقرار الأمنى كولى للعهد، لكن ليس من حقهم أبدا تجاهل سبق التجربة المصرية أو التجنى عليها بنسبتها على غير الصواب كواحدة من إنجازات الأمير، الأمير أكبر من ذلك، والجماعة الإسلامية المصرية واللواء رأفت فى قبره أولى بتجربتهم التى لو وجدت نصف ما وجدته من رعاية فى السعودية، ماليا وإعلاميا، لكانت حققت أضعاف ما حققت، لكن هذه هى مصر، لا تجيد الترويج لإنجازاتها حتى تفقدها.
من حق اللواء رأفت والجماعة الإسلامية أن نذكر لهم الآن أنهم فكروا فى المراجعة التى سمتها السعودية المناصحة، وقت أن كان الشيخ العبيكان نفسه معروفاً بالفكر الجهادى، وأن بداية توجه العبيكان إلى فكر الحوار والمناصحة كانت بعد نجاح التجربة المصرية، ومن حق اللواء رأفت والجماعة الإسلامية أن نذكر لهم نجاح تجربتهم رغم فقرها ماليا بينما النجاح الساحق للتجربة بمسماها الآخر فى السعودية لعب فيه المال جانبا لا يقل عن الفكر.