يبدو أن أكثر أصدقائى المتفائلين بالثورة قد أصبح متشائما، فقد أرسل محذرا بأن الثوار الحقيقيين سوف يأخذون فى نهاية المطاف «صابونة» ولم أفهم المعنى السياسى لعملية «التصبين»، خاصة أن رسالة صديقى وصلت فى منتصف شهر أكتوبر مع الاحتفال باليوم العالمى لغسل اليدين الذى أقيم تحت شعار خذ صابونة.. إلا أن لغسل اليدين فى مصر هدفا آخر وهو إخفاء آثار الجريمة وتنظيف أيادى النظام الحالى من نجاسة النظام السابق..
على أى حال الغسل موهبة فطرية فى كل حكام مصر فالتاريخ يحكى عن مسلات ومعابد غسلوا تاريخها ورفعوا أسماء ملوكها ليضعوا كل مرة اسم الفرعون الجديد، وتاريخنا المعاصر يشهد على مهارة نظام مبارك فى غسل الأموال وبراعة النظام الحالى فى غسل الدماغ، ولا أتصور أن هناك نظاما سياسيا قديما أو حديثا نجح فى غسل دماغ 85 مليون آدمى فى عشرة أشهر فقط.. فهذا إنجاز هائل ورقم قياسى جديد يتحقق على أرض مصر بعد رقمها العالمى فى الغسيل الكلوى. وتعرف عملية غسيل المخ بأنها التحكم فى البيئة النفسية والجسدية والاجتماعية للضحية لانتزاع أفكارها ومعتقداتها واستبدالها بأفكار معاكسة ومعتقدات مضادة.. ورغم أن الشيوعيين الصينيين هم أشهر من استخدم عمليات غسل المخ مع الأسرى الأمريكيين فى «الحرب الكورية 1950 / 1953» إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تجربة مصرية لغسل مخ شعب كامل وبفنيات ووسائل مبتكرة تؤكد على البراعة المصرية فى الدعك والقعدة على «الطشت» الوطنى وتصبين الساحة من الأفكار الثورية وقلب الثوار للبلاعة وغسل الملابس القديمة وإعادة ارتدائها على أنها جديدة «لانج»، ومن السهل ملاحظة نجاح التجربة المصرية فى الغسل بعد أن أصبح أغلبنا ينادى بالحكم العسكرى بل يعادى الثورة والثوار وكأنهم أولاد حرام أو رجس من عمل الشيطان. وتعالوا لأعرض عليكم خطوات غسل المخ التى تمت مع الأسرى الأمريكيين لنقارنها بالأسرى المصريين.
> حجب الأسرى بعيدا عن البيئة الطبيعية حتى لا يستطيعوا معرفة أى معلومات عما يحدث حولهم.. «هو ما تم معنا بالفعل لأننا لا نعرف أى معلومة حقيقية عما يحدث حولنا ولا حتى بيننا فالكل يعيش بين الشك والشائعات».
> التعرض لضغوط جسدية ونفسية كعقاب على عدم التعاون.. «وهو ما عرف هنا بانسحاب الشرطة والانفلات الأمنى وانتشار البلطجية والاندلاع المتكرر للفتنة الطائفية».
> خلق المناخ الذى يجبر الضحايا على الاقتناع بأن حصولهم على الحرية والأمان يعتمد على إيمانهم بأفكار الشيوعيين.. «إن الجيش هو صمام الأمن الوحيد للبلاد وإن كل مقومات الدولة تحطمت إلا الجيش وإننا سنأكل بعضنا لو تخلى عن القيادة وإننا شعب همجى لا تنفع معه الديمقراطية».
> استخدام الضغوط النفسية والاجتماعية مثل التعرض لفترات طويلة من الاستجوابات واستخدام الإهانة والسب لإضعاف المقاومة.. «قانون الطوارئ والمحاكم العسكرية والشائعات الكاذبة المتكررة والمقصودة بأن الثوار عملاء أو خونة أو يسعون لتنفيذ مخطط لتقسيم مصر».
> حضور اجتماعات دراسية يومية لدراسة الفكر الشيوعى «الدعوة الشعبية لانتخاب حاكم عسكرى».
صدقنى..إن الإيمان بالأفكار المزيفة لا يحتاج إلى اقتناع أو منطق بل يتطلب فقط بعض فنيات ووسائل غسل المخ، وتذكر إحساسك بالثورة والثوار يوم التنحى ولتقارنه بمشاعرك المتناقضة الآن ولتفكر قليلا فيما حدث لك.