أحدهم ضبط مصر على وضع الذهول كما تضبط أنت هاتفك المحمول على الوضع «silent» أو صامت، فيصاب باهتزازات متتالية تصيبك بالارتباك مع كل مكالمة قادمة إليك.
مصر الآن مرتبكة ومذهولة.. وهل يوجد وضع أفضل من ذلك لدولة يتراشق محاموها وقضاتها بالألفاظ على الفضائيات وفى المؤتمرات كما أهل «المصاطب»، ويحاصر محاموها دار قضائها العالى فيضرب مستشاروها النار فى الهواء كما معازيم الأفراح وسماسرة الانتخابات؟ هل يوجد وضع أفضل من ذلك لدولة تشتعل فيها ثورة بسبب شاب مات من شدة ضرب وتعذيب الداخلية، فتغضب الداخلية ويصاب ضباطها «بقمصة» و»زعلة» كما تفعل النساء ويمتنعون عن العمل وتصاب البلد بانفلات أمنى وحينما يعودون.. يعودون للتعذيب لا للحماية ونشر الأمن؟
هل يوجد وضع أفضل من ذلك لبلد ادعى فيه مجموعة من الشباب أنهم أشعلوا الثورة وأغفلوا ذكر دور الغلابة الذين سقطوا شهداء ومصابين، وحينما بدأت مكاسب الثورة تلوح فى الأفق هرول هؤلاء الشباب نحوها يقطتفون ثمارها قبل النضج بـ«طفاسة» وجشع وسذاجة مثلما تفعل الأخت أسماء محفوظ، متخيلة أن سب وشتيمة المجلس العسكرى على «توتير» أو فى شارع «وول ستريت» هو قمة الثورة والشجاعة وليس قمة الهرتلة والجهل وتمييع وتضييع القضية كلها؟!
ربما أكون مخطئا أو متحاملا أو أى شىء تريده، ولكن محفوظ هذه ومعها عدد من الشباب الذين كانوا يظهرون على الفضائيات أكثر من الظهور فى أرض ميدان التحرير وقت الشدة -أسماء نفسها كانت فى المنزل يوم موقعة الجمل وادعت أن البلطجية منعوها من النزول، وأحمد ماهر كان فى منزله يتحدث للفضائيات يوم كان الميدان مشتعلا لحظة أحداث العباسية دفاعا عن 6 أبريل- هؤلاء ومن على شاكلتهم من غير المخلصين هم سبب الارتباك الحاصل وسبب انفضاض الناس فى بيوتها عن الثورة.
فى بداية ثورة 25 يناير كان الفخر للركب بسلمية الثورة وأحداثها وقدرتها على هدم النظام دون هدم الدولة، الآن تقول كل العمليات الحسابية أن النتيجة التى يمكن وضعها بعد علامة «يساوى» أننا فشلنا فى هدم النظام والخلاص منه، ونسير بخطى واثقة وناجحة تتقدمنا نخبتنا اللاعبة فوق كل الأحبال لهدم الدولة والوطن.
حينما يضرب القضاة طلقات رصاص فى الهواء وحينما يحاصر المحامون دار القضاء العالى، وحينما تكتب وزارة الداخلية تقريرا وبيانا يفسر جريمة تعذيب وقتل عصام عطا كالتقرير والبيان الذى كتبته للرد على جريمة قتل خالد سعيد، وحينما تصبح لفافة البانجو أو الأقراص المخدرة مبررا لدى بعض الناس للتعذيب والقتل والنفخ بخراطيم المياه، وحينما تصبح أسماء محفوظ بجهلها وقلة معرفتها وهتافاتها الركيكة هى رمز الثورة، ويصبح مقدمو البرامج والكتاب الذين كانوا يسبحون بحكمة الرئيس هم أهل الحديث باسم الثورة، وحينما تفشل الأحزاب والقوى السياسية فى الاتفاق على كلمة سواء من أجل الوطن، وحينما يسخر الشباب من الأصوات التى تطالب بالعودة للإنتاج والعمل ويهزأون من بحث الناس عن الاستقرار والأمن.. حينما يحدث كل ما سبق يا صديقى ويغضب الناس من نقد المجلس العسكرى لفشله فى إدارة المرحلة الانتقالية يصبح من السهل أن ترى أطلال دولة ما فى الأفق..
نتمنى من الله أن تكون رؤيتنا سرابا.. وأتمنى من الله عليك ألا تنسى الدعاء على حسنى مبارك الذى جفف البلد، وأحال أحلامه إلى كوابيس وأوصلنا إلى ما نحن فيه الآن بطغيانه، وظلمه، وإفساده للتعليم والحياة السياسية، وإغلاقه المحكم لشبابيك الحرية.