لا يعلم كثير من الأصدقاء أننى كنت هنا، فى مكتب الصديق «خالد صلاح» رئيس التحرير، يوم صدور الترخيص بطباعة النسخة الورقية من «اليوم السابع».. كنا نتناقش حول نجاح الموقع الإلكترونى، ونفكر بصوت مرتفع عن صيغة صحفية أنضم بها لأسرة التحرير، بعيدا عن مقالات الرأى.
كان «خالد صلاح» قلقا لأنه يعلم أن المجلس الأعلى للصحافة منعقد فى نفس الوقت، وسوف يمنح الجريدة فرصة الخروج للنور أو يمنعها.. وكنت متحمسة لحضورى ميلاد صحيفة شابة، تعد بمنهج مختلف وتضخ دماء جديدا فى شرايين الصحافة التى تيبست، فالرهان - من وقتها للآن- كان معقودا على الصحافة المستقلة «سمها خاصة إن شئت».
سخرنا ساعتها من كم الشائعات المحيطة بـ«اليوم السابع»، وناقشناها بجدية، وقطعت «البشارة» حديثنا: لقد وافق المجلس الأعلى للصحافة على صدور الجريدة.. قلت له «وشى حلو عليك»، واتفقنا على أن أشرف على صفحتين فى الجريدة، وبالفعل أرسلت له تصورا عبر الإيميل.. ثم ضاع حماسى فى زحام الهم العام والخاص.
كم وددت الآن لو تمسكت بحلم البدء مع «اليوم السابع» من عددها الأول، وأنا أراها تكبر وتؤثر وتأخذ حصتها من التوزيع.. لكن يبدو أن القدر ادخر لى يوما آخر يجمعنى بأسرة الجريدة، يوم تكون مصر فيه أكثر شجاعة وحرية، ويكون الأمل منثورا من قلب ميدان التحرير إلى حدود مصر الدولية، يوما أكون - خلاله - أنا أيضا مختلفة، ربما أنضج، أو ربما بحاجة إلى تجربة جديدة تمنحنى روحها، أو حتى تحرضنى على التهور!.
لقد عملت طويلا إلى جانب أهم الصحفيين فى مصر، من الناقد الأدبى الكبير «رجاء النقاش» رحمه الله، إلى الكاتب الصحفى الكبير «عادل حمودة» رئيس تحرير «الفجر». تعلمت الكثير منهما، لكن درجة اقترابى المهنى منهما لم تحل دون دخول عالم «المصرى اليوم» من اللحظة التى تولى فيها الصديق «مجدى الجلاد» رئاسة التحرير.. فكل تجربة كانت تمنحنى عمرا جديدا، وتعيد صياغة بعض أفكارى، تنقلنى من خانة المراهقة السياسية إلى موقع أكثر رصانة..تجعلنى أُجن جنونا فيه عقل!!.
تعلمت فى هذه الجرائد، ومؤسسة «دار الهلال» أيضا، قيمة «الحرية».. لأننا جميعا كنا نناضل كجماعة صحفية لتوسيع هامش الحرية، وإسقاط القوانين السالبة للحريات، فنحتجب عن الصدور أحيانا ونرفع كلمتنا فى وجه «سلطان جائر» دفاعا عن أحدنا وهو يجر إلى السجن بتهمة حرية التعبير.. تلك الحرية التى تتخذ فى مواد القانون أسماء مشبوهة منها بلبلة الرأى العام أو ازدراء هيئة سيادية.. إلخ.
أنا، مثل ملايين البشر، بنت مجتمعى، بنت تجربتى بكل ما فيها من انتصارات وانكسارات.. بنت المهنة التى علمتنا أن المنافسة لا تفسد للود قضية!. قد لا يهم القارئ أننى عملت كثيرا فى جرائد عربية، أو تنقلت بين قنوات فضائية..لكننى محصلة تلك التجربة بكل ما فيها من اختلاف.
وإن كان للأستاذ «عادل حموده» علامة خاصة فى مشوارى المهنى، فهو أول من وضعنى على طريق الكتابة السياسية، فى وقت كانت المرأة تعانى التهميش، وتحبس فى صفحات الموضة والطهى.. وسأظل مدينة له بذلك.. رغم أننى تركت العمل بجريدة «الفجر».
الآن، أعمل مع قيادة شابة «رئيس التحرير أصغر منى بأعوام كثيرة»، وأتلمس خطواتى لقارئ مختلف، فى فترة حرجة من عمر الوطن، وفى قلب الأحداث العاصفة.. أشعر وكأن الكتابة الآن مثل السير على الحبال تماما، وأن أى خطأ غير مقصود قد نسقط معه ونرتطم بأرض مفخخة بقانون الطوارئ الذى قد ينفجر فى وجوهنا جميعا!.
لكن، ورغم مصادرة بعض الصحف، «أو صفحات منها»، فأنا أنتظر شمس يوم جديد.. يشرق على وجه «بهية»، لتصبح الصورة أوضح.