لم تكن زيارة المشير طنطاوى إلى منطقة وسط البلد مرتدياً الملابس المدنية على غير العادة من قبيل الصدفة، ولم يكن صدفة أيضاً مشهد المشير وهو يسير دون حراسة مصافحاً المواطنين على طريقة "حلوة الصدفة دى"، بل كانت زيارة من قبيل التكتيكات السياسية العسكرية لتهيئة الرأى العام المصرى وإبلاغه رسالة، وهى أن الرئيس القادم سيكون جنرالاً عسكرياً بل من الممكن أن يكون المشير طنطاوى نفسه، وهنا نقول "عفواً سيادة المشير"، لقد خط الشعب المصرى مستقبله بيديه لأول مرة فى التاريخ بعد ثورة25 يناير ولن تعود مصر أبداً إلى ما قبل ذلك، وأختلف مع الذين يقولون بأن الجيش حمى الثورة، فالذى قام بحماية الثورة هى الإرادة الشعبية العارمة التى تمثلت فى الملايين الذين خرجوا إلى الميادين، معبرين عن رغبتهم القوية والواضحة فى إسقاط نظام الفساد والاستبداد السابق، هذه الرغبة العارمة هى التى أجبرت المجلس العسكرى على الرضوخ والاستسلام لإرادة شعب مصر والوقوف بجانب الثورة، ومع هذا لا ينكر دور المجلس العسكرى فى مساندة الثورة حين كانت فى طور الولادة، إلا أنه فشل فى إدارة المرحلة الانتقالية الحالية، لأنه لا يتعامل مع معطياتها بصورة ثورية وحاسمة، مما أفقد المجلس العسكرى الكثير من المصداقية التى كان يتمتع بها لدى الشارع فى بداية الثورة، وبدأت الشكوك والظنون تتسرب إلى نفوس المصريين عن رغبة المجلس العسكرى فى البقاء فى السلطة والتراجع عن وعوده التى قطعها فى السابق بتسليم السلطة للمدنيين، الأمر الذى أحدث نوعاً من البلبلة فى الشارع المصرى، مما يستوجب توضيحاً سريعاً وواضحاً من المجلس العسكرى عن ملامح المرحلة الانتقالية الحالية، وما هو جدولها الزمنى، ومن وجه آخر لابد للمجلس العسكرى أن يعلم أن الشعب الذى ثار ضد الفساد يطالب وعن بكرة أبيه بأن يكون الحكم القادم هو حكماً مدنياً خالصاً، وليعلم أيضاً أن شعب مصر لن يعطى تمام الاستسلام والخضوع لأحد بعد ثورة يناير، وقد أثبت التاريخ فشل الأنظمة العسكرية فى كل دول العالم، لذلك نحن نريد دولة يحكم فيها المدنيون لا العسكريون، ومن غير المقبول على الإطلاق أن يحكم العسكر بعد ثورة قدمت مصر فيها دماء أبنائها من أجل أن تستنشق عبق الحرية عبر دولة الحكم المدنى، لذلك عفواً سيادة المشير مصر دولة مدنيين.