كدت أشتبك بالأيدى مع سائق تاكسى، الطريق طويل، السائق لا يكف عن الثرثرة، شغلت نفسى عنه بالحديث فى الهاتف، أدرك السائق من المحادثة التليفونية أن مهنتى «صحفى».. سارع بالهجوم على الثورة وتهكم على الصحافة والصحفيين قائلا: أنا خريج كلية التجارة وأعمل فى مصلحة الأمن العام صباحا وعلى تاكسى مساء، هل تعلم كم سيارة سرقت منذ قيام الثورة؟ وأجاب: «أكثر من ربع مليون سيارة ولم ترجع الشرطة سيارة سوى سيارة الفنانة بسمة!» أشعل سيجارة وأكمل متسائلا: هل تعرف عدد المقالات التى كتبت عن سيارة الفنانة بسمة؟ نظرت إليه فى غيظ قائلا: بسمة فنانة مشهورة ومن حق الرأى العام أن يشعر بالفزع لما حدث معها، رمقنى بخبث وأشار بسبباته إلى صدره مبتسما: «إحنا الرأى العام»، ألقى بالسيجارة من نافذة السيارة وهو يضيف: يبدو أنكم تعاملوننا مثل تلك السيجارة!!، فقلت له: من نحن؟ ومن أنتم؟ أجاب: إحنا الشعب وأنتم الصحفيين، الثورجية اللى طول النهار ماعندهمش حاجة غير الكلام فى الصحف وبرامج التليفزيون وكله بثمنه.. يا أستاذ هل تعلم أن ترقب الوصول حتى الآن لم يلغ؟ وكل يوم فيه حوالى من 20 إلى 30 شخصا بيوقفوهم فى المطار وحضراتكم طوال الوقت تتحدثون وتتكلمون عن باسبور د. عمرو الشوبكى ثم قهقه وهو يسأل: إنما إيه حكاية انشغالكم بلون بدلة المشير الكحلى؟ لم أتمالك نفسى.. طلبت منه الوقوف.. توقف.. ألقيت له الأجرة وتركت السيارة. ترجلت حتى المنزل.. تأملت حديث السائق، حاولت أن أطمئن نفسى على أن ذلك السائق من الفلول ومخبر، لكن شيئا ما دفعنى للبحث عن الموضوعات التى نشرت عن سيارة بسمة، «108» أخبار ومقالات وموضوعات، أكملت بحثى عن الموقف الذى تعرض له د. عمرو الشوبكى فى المطار، 37 خبرا ومقالا وموضوعا! بحثت عن الموضوعات التى اهتمت بلون البدلة الكحلى التى ارتداها المشير طنطاوى فى جولته، 8 موضوعات ومقالات!
لم أكمل رحلة البحث، خوفا من شعور مجهول انتابنى بأن قطاعات كبيرة من الصحفيين والإعلاميين لم تسعفهم قدراتهم المهنية لمواكبة بركان الحرية الذى انفجر بعد ثورة 25 يناير، استثمارات كبيرة تتدفق فى صناعة الأعلام من كل حدب وصوب، وصارت القاهرة سوقا ومرتعا للمال الإعلامى أكثر من بيروت، عمليات «غسيل أشخاص» وصناعة نماذج إعلامية وسياسية رديئة، وتحت الطلب لما هو قادم، ولكن أخطر ما يقوم به الإعلام هو «تسليع» شباب الثورة، أقصد تحويلهم إلى سلعة إعلامية لزيادة عدد المشاهدين أو القراء، على سبيل المثال شاب فى بداية عقده الرابع يكتب 9 مقالات فى الأسبوع ما بين كبريات صحف القومية والخاصة، ويستضاف فى الكثير من البرامج والمحافل، كيف يتأتى ذلك وكبار الكتاب المحترفين يكتبون مقالا يوميا بمعاناة!
عدت إلى هوايتى فى البحث فوجدت 48 شابا وشابة من شباب وشابات الثورة تحولوا إلى كتاب مقالات وأعمدة، تذكرت مصير أغلب القادة الشباب لثورة مايو 1968 فى فرنسا، وكيف استخدمت المخابرات الفرنسية والأمريكية الإعلام فى إجهاض قدراتهم وتفريغهم من ثوريتهم وتحويلهم إلى شخصيات مريضة بحب الظهور والإعلام حتى إن البعض منهم ماتوا فى مصحات نفسية!
تركت قلمى وأنا أتمتم: ربى لا أسألك رد القضاء ولكنى أسألك اللطف فيه!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة