كن على ثقة تامة بأن من يحرمك من حقك فى المعرفة تحت أى مسمى يخونك ويستغفلك ويريد أن يعريك من إنسانيتك، كن أيضا على يقين من أنه لو كان للدواب عقل ووعى لألقت بنا من فوق ظهرها، ولذلك فمن مصلحة المستبدين أن نظل كالدواب صم بكم عمى، لا نعقل ولا نفهم، ولا نستوعب ولا نقدر، ولا نفكر ولا نتفكر، ولا نستدل ولا نقرر، وضع فى قلبك إيمانا راسخا بأن من يريد أن يحتكر عقلك ينتهى به الحال إلى احتكار لسانك واحتلال بيتك وسلبك إرادتك، ونهب لقمة عيشك، وخطف حضن امرأتك، وقطف ابتسامة طفلك.
لا حضارة بغير علم، ولا تقدم بغير ثقافة، هذا ما يقوله لنا التاريخ الإنسانى باتساعه، فالشىء الوحيد الذى يتقنه المستبدون هو أن يعمموا الجهل على العباد، وكستارة سوداء، خيم الجهل على المجتمع المصرى طوال أكثر من أربعين عاما، كان يكفى أن تقول «مصر» لكى تلمع فى ذهنك أسماء عظيمة لها من الجلال والجمال والحضور ما جعل مصر أكبر، لكن هذا المصباح خبا حينما حاول السادات أن يطمس روح مصر المتحضرة، مطلقا عليها الجراد الذى يأكل الأخضر واليابس ويمتص النور من العيون والسماحة من القلوب، والرحمة من الأرواح، لكن لأن مصر أكبر، ظلت تقاوم وتناضل من أجل الحفاظ على هويتها الناصعة، حتى بعد مجىء مبارك الذى انتهج نهج السادات وسار على دربه، بالتعمد مرة وبالإهمال مرات ومرات.
نعم هو الجهل سلعة الاستبداد وديدن المستبدين، وإن أردت أن تعرف مدى ديكتاتورية الحكام أو ديمقراطيتهم فقس مستوى التعليم وعدد المتعلمين وطريقة معاملة الدولة لأبنائها النابغين، ومدى حرصها على نشر الثقافة وتطوير المدارس والجامعات، ولأن وضع الثقافة والتعليم كان متدنيا كما نعرف جميعا، أصبحت مصر فى ظل عهد الجراد ميناء كبيرا تهاجر منها العقول الناصعة فى ظل الحكم البائد، وليس غريبا أيضا أن يتكرر الأمر فى العديد من الدول العربية التى تحكمها أنظمة ديكتاتورية، ولذلك إن رأيت شعبا يحتفى بطغاته فاعلم أنه أجهل أهل الأرض، وإن رأيت شعبا يقدس حكامه ويبجل من يسلبونه حقه الطبيعى فى المناصب السياسية العليا، ويبارك قمع الفكر ووأد الرأى فقل على هذا البلد يا رحمن يا رحيم، ولهذا كان طبيعيا أن يقود ثورة مصر المتعلمون، وأن يشعلوا فتيلها الأول، وهم الذى رأوا وسمعوا وتعرفوا على مختلف الثقافات.
من حقى الآن أن أدعوك للفرح والتفاؤل، فها هى مصر بعض الثورة تذخر بالأرواح الوثابة المتطلعة نحو المعرفة، وليس غريبا أن تنشط حركة الثقافة فى مصر بعد رحيل مبارك، وأن ترى الناس مهمومة بحال البلد ومصيرها، وليس غريبا أيضا أن نرى ارتفاعا ملحوظا فى نشاط المكتبات وسعيا مبهرا لحضور الندوات، وزيادة فى مبيعات الكتب، وأن نرى ازدهارا مفرحا فى التأليف والنشر والإبداع والشعر والمسرح والموسيقى، وبشكل شخصى فإنى كلما أنظر إلى حجم المواهب الصادقة التى بزغت بعد الثورة أطمئن على مستقبلنا وحياتنا.
هذا الجوع للمعرفة يدل على أن هناك جوعا للحرية والعكس صحيح، كما يدل بغير لبس على أن نظام مبارك كان مثل الساتر الظلامى الذى يحيط بالجميع، وبإزاحة هذا الساتر الأسود، أعيد إلى الناس انتباههم وردت إليهم صحوتهم، وهذا ما يطمئننى على مستقبل مصر ومصيرها المقبل، فقد انكشف عنا غطاءنا فبصرنا اليوم حديد.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
نعم ايها السامري حقا نطقت
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس أحمد مجدى
بتدعونا للفرح على ايه؟ انت مش شايف الفوضى و الخراب اللى احنا فيه؟ ده احنا قربنا ننافس الصو
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
رائع