بعد شد وجذب حسم حزب الوفد الصراع الدائر مع حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وقررت هيئته العليا خوض الانتخابات البرلمانية القادمة بقائمة منفردة.
القرار يأتى على خلفية الجدل الذى دار خلال الفترة الماضية بين الحزبين لرغبة الوفد زيادة نسبته فى القائمة، المقرر أن يخوض بها التحالف الديمقراطى من أجل مصر الانتخابات وتلويحه من آن لأخر بالانفصال إذا لم تتحقق رغبته.
ورغم أن حزب الحرية والعدالة وافق على التفاوض وتنازل عن جزء من نسبته إلا أن الوفد اتخذ قراره سالف الذكر، ليحسم المعركة التى خاضها منذ انضمامه للتحالف، ولقى خلالها معارضة داخلية شديدة ظل يقاومها الدكتور السيد البدوى، رئيس الحزب قبل أن يستجيب لها مؤخرا.
لكن هل ينفرط عقد التحالف بعد قرار الوفد وتخور قواه وينهار؟
حتى الآن لا توجد أى مؤشرات على ذلك، ولم يعلن أى حزب آخر فى التحالف البالغ عددها 42 حزباً اتخاذ نفس الخطوة، بل وليس من المتوقع أن يقدم عليها آخرون، وهناك من يرى أن أبناء سعد زغلول هم الخاسر الأكبر من هذا القرار.
وبنظرة سريعة على نشأة التحالف الديمقراطى والهدف منه يمكن التأكد من ذلك، فهو قام بالأساس لتوحيد جهود القوى السياسية المنضوية تحت لوائه لصياغة ورسم مستقبل مصر فى المرحلة المقبلة بعيدا عن أيديولوجياتها وأفكارها، هذا هو الهدف المعلن، لكن الواقع يشير إلى أن معظم أحزاب التحالف صغيرة ووليدة لاعهد لها بالعمل السياسى تقريبًا، وحتى الكبيرة منها لا تحظى بشعبية تخوض بها الانتخابات وتؤثر فى نتائجها، ولأنها تدرك ذلك جيدًا قررت أن تمتطى صهوة جواد الإخوان الذى ينطلق بسرعة الصاروخ نحو السلطة والسيطرة على البرلمان القادم انطلاقا من شعبيتهم الجارفة.
هذه الحقيقة كشف عنها الجدل الذى تخلل الصراع بين الحزبين طوال الفترة الماضية، إذ واجهت رغبة الوفد فى الدفع بنحو 300 مرشح للانتخابات أو تقاسم النسب مع الإخوان معارضة من الأحزاب الصغيرة، التى أعربت عن خشيتها من أن يؤدى ذلك إلى تقليص فرص فوز قائمة التحالف بعدد كبير من المقاعد، لأنها تعتمد بالأساس على شعبية الإخوان وليس تاريخ الوفد الذى انزوى نجمه ولم يتبق منه سوى أسماء قياداته التاريخية تقريبًا.
هذا الرأى لم يقتصر على الأحزاب الصغيرة وحسب ويعترف بذلك عدد من الوفديين أنفسهم، ومنهم الدكتور وحيد عبد المجيد منسق التحالف الذى صرح من قبل بأن تساوى تمثيل الوفد والحرية والعدالة فى القائمة بنسبة 40%، يعنى استبعاد عدد من الأحزاب المشاركة ويضعف من قوة التحالف، وإذا تم تقليل نسبة الإخوان إلى 30% لتتساوى مع الوفد، سيؤدى ذلك إلى فشل التحالف انتخابياً نتيجة عدم وجود مرشحين بارزين للوفد فى كثير من الدوائر، مبرراً ذلك بأن أغلب الناخبين سيصوتون للقائمة من أجل الإخوان فقط.
الجدل بين الإخوان والوفد يعكس طبيعة الصراع على الساحة السياسية حاليا، وتكالب الأحزاب حتى التى لم تشارك فى الثورة ورفضت تأييدها صراحة لاقتسام غنائمها، كما أنه تفوح منه رائحة الصفقات التى ميزت عصر مبارك البائد، وقت أن كان النظام يقوم بتوزيع حصص على الأحزاب فى مجلسى الشعب والشورى ليشترى ولاءها أو لترويضها، فى حين توارت أهداف الثورة التى لا يزال ينتظر الشعب المصرى تحقيقها على أحر من الجمر.