أعتقد أن أخطاء القوى الثورية التى فجرت الثورة هى الوجه الآخر لاتساع دور المجلس العسكرى وانفراده بتسيير المرحلة الانتقالية، وأول الأخطاء عدم القدرة على إنشاء كيان تنظيمى كبير يضم الجميع فى عمل جبهوى أو تنسيقية عامة تعمل وفق رؤية واستراتيجية محددة لتنفيذ مطالب الثورة. الفشل فى توحيد قوى الثورة فتح المجال لكثير من المدعين والانتهازيين للحديث باسم الثوار والإساءة إليهم، وكذلك لكثير من المخلصين - الوافدين الجدد للعمل السياسى - لاتخاذ مواقف ومبادرات خاطئة.
ومع غياب الرؤية والاستراتيجية وقعت القوى الثورية فى الخطأ الثانى عندما تصارعت حول الاستفتاء، والدستور أم الانتخابات، ثم خاضت معركة غريبة حول المبادئ الدستورية، ولم تدرك كل القوى الثورية أن الوقت يمر ويعمل فى غير صالحها. والمفارقة أن أغلب قوى الثورة طالبت بتمديد المرحلة الانتقالية وتأجيل الانتخابات حتى يتاح للأحزاب الجديدة أن تتحرك بين الناس وتواجه الفلول، رغم أن كل مجريات الأمور كانت تشير إلى التأجيل وأن المجلس العسكرى لا ينوى ولا يعمل للوفاء بوعده الأول بتسليم السلطة خلال ستة أشهر.
الخطأ الثالث أن كل القوى الثورية – المدنية والإسلامية – لم تمتلك نظاما محددا لأولويات العمل لتنفيذ مطالب الثورة.. والمأساة أنها حتى الآن تعمل وتتحرك بدون نظام مقنع وواقعى للأولويات من وجهة نظر أغلبية المصريين.. لم تتوافق القوى الثورية على أولوية الأمن قبل الاستفتاء والدستور بل قبل الانتخابات، وانشغلت بقانون الانتخابات - على أهميته - بدون التركيز على أولوية الأمن – مفتاح قلوب وعقول المصريين- وأولوية فرض الحظر السياسى على الفلول وتطهير مؤسسات الدولة، ومن عجب أن القوى الثورية بقيادة أحزاب المعارضة والإخوان!! يرتكبون خطأ جديدا هو الاختلاف واحتمال الصدام مع الجدول الزمنى الذى طرحه المجلس العسكرى لتسليم السلطة ويتناسون مخاطر الأمن والأوضاع المتدهورة للاقتصاد.. وأعتقد أن منح الأولوية لاستعادة عافية الاقتصاد سيمكن القوى الثورية من إقناع الشعب بضرورة الإسراع وتبنى الجدول الزمنى الذى طرحته كبديل عما يتبناه المجلس العسكرى، والذى يمتد إلى نهاية العام القادم تقريبا، مما يتسبب فى مزيد من الخسائر للاقتصاد، فمن غير المعقول أن تأتى استثمارات جديدة من الداخل أو الخارج فى ظل غياب مؤسسات مدنية ورئيس منتخب ونائب للرئيس وقضاء مستقل.
أما الخطأ الرابع للقوى الثورية فهو الثقة فى أحزاب المعارضة والإخوان الذين شاركوا فى نظام مبارك وكانوا يستجيبون لأوامر صفوت الشريف ومباحث أمن الدولة، وقدم بعضهم – وما يزال - نموذجا للزواج المحرم بين المال والسياسة والإعلام.. الخلاصة أن ثقة قوى الثورة بالأحزاب القديمة مكن الأخيرة من الحديث والتفاوض مع المجلس العسكرى باسم الثورة، والمفارقة أن هذه الأحزاب حجبت مشاركة شباب الثورة وسعت إلى تهميشه.
الخطأ الخامس للقوى الثورية تجسد فى استسهال تنظيم المليونيات، بمعنى كثرة الدعوة إليها بدون إعداد جيد مما يفقدها كثيرا من بريقها وتأثيرها، وزخمها، فجاءت الجمع الأخيرة بعيدة عن المليونيات فى أشياء كثيرة، لعل أبرزها إعداد المشاركين واتساع قاعدة القوى السياسية والائتلافات المشاركة، وذلك لا يعنى التوقف عن التظاهر السلمى فهذا حق يكفله الدستور والقانون، كما أنه واجب للدفاع عن الثورة والحفاظ على زخمها، لكنى أتحفظ على كثرة الدعوات لمليونيات – يدعى البعض أنها تعطل الاقتصاد - وأدعو القوى الثورية والائتلافات إلى إبداع أشكال جديدة من الرفض والتفاعل المستمر مع المواطنين فى الريف، وبناء تنظيمات وأحزاب وكيانات تنظيمية كبيرة عوضا عن التبعثر التنظيمى السائد حاليا.