المصريون مشغولون بالمستقبل، يؤرقهم هاجس الأمن المنفلت، والتعليم والعلاج والطعام والمسكن، ويقلقهم غموض الوضع السياسى وصراعاته غير المفهومة، يشاهدون صراعات حول غنائم غير موجودة، يتمنون من يطمئنهم على مستقبل أيامهم وأن القادم أفضل. مازالوا يعانون أعراض عقود من الإهمال والفساد قتلت طموحهم، ومازالوا يعانون غياب الأمن، والبلطجية وتحركات فاسدين يدافعون عن آخر قلاعهم.. مواطن متوسط وفقير أو مسيحى ومسلم أو نوبى وسيناوى يفاجأ يوميا بحريق طائفى، لخلاف ليس من بين أولوياته.
فى الماريناب وغيرها.. صراع بين مظلومين وفقراء، يتحولون إلى وقود فى معركة لا يفهمونها، وهناك من يستغل براءة مشاعرهم ليحولهم إلى وقود فى حرب «الكاسب فيها خسران».
لقد استعرضت تعليقات وآراء قطاعات مختلفة من المصريين حول الطائفية، ولولا ضيق المساحة لعرضتها كلها، لأنها تعبر عن آراء المصريين باتجاهاتهم المتعددة، فلا يمكن لفرد أن يمتلك وحده الرؤية النهائية، ثم إن الحوار بالكلمات بديل للسلاح الغبى وسبيلا لفهم الآخرين والتعرف عليهم.
صحيح أن الأغلبية معتدلة تدرك خطورة ما يجرى، لكن هذا لا يمنع من وجود عقول متعصبة، يكرهها الآخرون ويتمنون زوالهما. البعض يعتقد أن انتماءه للأغلبية المسلمة يعطيه الحق فى التحكم بمصائر الآخرين وطريقة أداء طقوسهم. مع أن الكثرة العددية لم يثبت أبدا أنها أحد عوامل القوة أو التقدم، ومن بين المسيحيين من يرد على التعصب بتعصب، وقد يصل الأمر للحديث عن التقسيم، وحتى لو أخذنا هذه الآراء بحسن نية، فهى آراء مخيفة، فالمتعصبون لا يمثلون أكثر من واحد فى الألف، يستقوون بكثرة العدد أو ينتظرون تدخلا وتقسيما، وهى معركة رابحها خسران، فالآراء التى يبديها المتعصبون عادة تستند إلى آراء ومقولات شفهية، أو مرجعيات وتفسيرات متعسفة لنصوص محرفة.
وبالرغم من قلة عدد من ينفخون فى نار الفتنة، فعلى الأغلبية أن تواجههم بأكثر من الصمت، لأن خطر التقسيم ولو كان بعيدا يقترب بتراكمات وصراعات وحروب لن تفيد نافخى الفتن، وتضر الجميع.
بوادر الانفصال فى السودان بدأت خطوة خطوة، بسبب تعصب الأطراف، التقسيم كان خيالا، فأصبح واقعا. كما أن تفسخ الصومال استغرق أكثر من عقدين ليصل إلى التفتت.
صحيح أن مصر مختلفة، لكن على من يديرون السياسة الآن وبعد الانتخابات أن يدركوا خطورة استمرار الأوضاع العرفية، وترك نار تشتعل كل يوم، قد تتطور لحريق، لن يدع وراءه فرصا سياسية أو مقاعد برلمانية.
ليس فى الأمر تخويف، لكن الوقاية خير من العلاج، والقانون أفضل وقاية من التعصب والطائفية، وعلى الأغلبية التى ترفض الطائفية والتعصب أن تتحرك لتدافع عن المستقبل، قبل أن تصل النار إلى ذيول الجميع. وعلى النظام السياسى الانتقالى والدائم أن يواجه بالقانون أى اعتداء على الآخرين وعباداتهم. وإلى الطائفيين.. لن تكسبوا ولو ربحتم.