أمناء الشرطة كانوا سببًا من أسباب ثورة 25 يناير.. والآن يقومون بثورة.. إنها مصر بلد العجائب.. حتى غاب فيها الانضباط العسكرى أخيرًا.. وهذا لم يحدث فى تاريخ مصر إلا نادرًا.
وقد أدخل شعراوى جمعة نظام الأمناء فى الستينيات إلى مصر بعد أن وجد أن الهوة قد اتسعت بين الضابط الأكاديمى صاحب الوجاهة والفكر والثقافة.. وبين الجندى البسيط الذى لم يكن يعرف كيف «يفك الخط» كما يقولون.
وكان أمين الشرطة يتخرج فى الثانوية العامة فى البداية ممن لم يحالفهم الحظ أو المجموع لدخول الكليات.
وبعد تخرج دفعات كثيرة من أمناء الشرطة ظهرت المشاكل لهم وللداخلية ولمصر.
فالأمين دائمًا ساخط على وضعه.. فهو يريد أن يعامل معاملة الضباط.. ولذا فهو يتكبر على سماع أوامرهم حتى كرهوه.. وهو يتكبر ويستعلى على الشاويشية والجنود فكرهته هذه الطائفة أيضًا.
ثم وجد الأمين أن معظم أعمال الشرطة الصعبة والشاقة والخطرة قد ألقيت على كاهله.. لأنه يجمع بين عمل الضابط والشاويش معًا.
ولكن الأمين لا يستطيع أن يرضى بحياة الشاويش القروية البسيطة.. ولا يستطيع أن يحيا مثل الضابط الذى توفر له أسرته الكبيرة عادة حياة رغدة ميسرة لا ييسرها له راتبه.
وراتب الأمين قليل والمغريات أمامه كثيرة.. ومصالح ومصائر العباد كلها رهن تصرفه.. مع ضعف الدين وقلة التقوى.. واستبعاد المتدينين من صف الشرطة.. فكانت النتيجة تفشى الرشوة بشكل وبائى بين الأمناء بالذات.
حتى أننى أعرف أن بعض الأمناء كان دخله الشهرى فى الأقسام من الرشوة يعادل راتب عشرة ضباط كبار.. وخاصة من الأمناء فى المباحث والمرور والأقسام.
وهذا كله جعل معظم الأمناء راضين عن حياتهم ومستقبلهم.. وجعل دخول معهد الأمناء يتطلب رشوة لا تقل عن 15 ألف جنيه قبل الثورة.. أما الرشوة اللازمة لدخول معهد مندوبى الشرطة فقد وصلت تسعيرتها قبل الثورة إلى 10 آلاف جنيه.
وذلك كله للحصانة الكبيرة التى كان يتمتع بها أمين الشرطة من جهة.. وللرشاوى الكثيرة التى كانت تدخل جيبه من جهة أخرى.
ولكن لما قامت الثورة انقطع نهر الأموال الذى كان يصب فى جيوب الأمناء، ونضب معين الرشاوى.. وأصبح الأمين مواطنًا عاديّا كغيره من سائر الناس..
فما الذى يجبره على السكوت والصمت؟ أو ما الذى يلزمه بالانضباط العسكرى ومصر تضربها الفوضى فى كل مكان؟ ومن لا يتظاهر ولا يشاغب ويغلق الطرق ويسب ويشتم لا يحصل على حقه.. والجميع الآن لا يهمه كيان الدولة.. فالكل يسعى نحو مصالحه.. وإضراب الأمناء ضرب الانضباط العسكرى فى مقتل.. ولكن لا أحد يهتم بذلك.
وقد أحسن اللواء العيسوى حينما أطفأ هذه الثورة الجامحة ووافق على معظم طلباتهم وعلى علاج أسرهم فى مستشفيات راقية.. ووقف محاكماتهم عسكريّا فى مسائل الانضباط.. ولكن ياريت ينضبطوا من تلقاء أنفسهم وخوفًا من الله.
والآن علينا جميعًا إصلاح قلوب ونفوس هذه الفئة وتزكية قلوبهم وتطهير جيوبهم من أكل الحرام واجتثاث الفاسدين منهم.. وتخريج أجيال جديدة تكون التقوى والأمانة والكفاءة والحزم والانضباط العسكرى عناصر أساسية فى تكوينهم.
ناجح إبراهيم
أمناء الشرطة يشعلون ثورة بعد أن كانوا سببًا فى ثورة 25 يناير
الثلاثاء، 01 نوفمبر 2011 03:47 م