د. بليغ حمدى

ضاع الريموت يا مولانا

الخميس، 10 نوفمبر 2011 10:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حينما بدأ الشعب المصرى مشروعه القومى فى التخلى عن الكتاب والقراءة بوجه عام، رافضين غير مستسلمين لمحاولات سوزان مبارك ومجموعتها الثقافية المنتخبة لمشروع القراءة للجميع، رغم أنه تضمن إصدار كتب رصينة بجانب عشرات الكتب الباهتة والتى شكلت عبئاً على عقل المواطن، كنت أعلم وقتها أن المد الثورى للفتوى لا ولن ينقطع، بل وسيصير شهوة لدى البعض من علماء الوطن العزيز. وأصبح جملة هذا الشعب وتفصيله مؤهلين تماماً لتقبل أى ثقافة فقهية مسموعة أو مرئية أو فى صورة كتيبات صغيرة لا تتجاوز الوريقات العشرة، المهم أنهم ينأون عن مغبة الكتاب الكبير والآراء الفقهية المتباينة والمسائل التى تنتظر تأويلاً وتحليلاً مضطرماً لها.

وحينئذ فقط أدركت لماذا كان يصر أصحاب هذه الآراء والفتاوى على محاربة كلمات بعينها مثل التأويل وظاهر النص وتفكيك الخطاب، لأن مثل هذه العبارات والمواضعات ستحيل نتاجهم المسموع والمرئى إلى مقصلة العقل وهو ما يرفضونه أيضاً جملة وتفصيلاً.

ولأن واقعنا المعاش الآن أصبح يشبه السيرك، أى يقدم كل الفنون الممكنة وغير الممكنة تحت خيمة أو مظلة واحدة، ولكن مظلة الواقع المجتمعى ليشت قماشية، بل هى فوضوية تشبه الضباب الذى أصبح ملمحاً رئيساً من ملامح العقل المعاصر، ولن أدعى بأن كل من هب ودب على الأرض بقدميه يقدم لأنصاره فتاوى عجيبة، لا بل هناك بعض من الشيوخ ذوى العلوم الدينية الرصينة من ارتضى أن يعمل فى السيرك المقام بالعقل المصرى، ولكم تمنيت أن أريهم من تعليقات بعض أصدقائى العرب إزاء ما قدموه من فتاوى.

هذه الفتاوى التى طالما سمعتها تذكرت شاعر العربية الأوحد أبا الطيب أحمد المتنبى، حينما قال عن مصر وأهلها: (وكم بمصر من المضحكات ضحك فيها كالبكا)، والدليل على ذلك ما طفق به بعض علماؤنا الأجلاء وشيوخنا الأبرار من آراء فقهية كضربات الجزاء القاتلة فى الوقت بدل الضائع، مثلاً عدم جواز تزويج المصرى ابنته لأى من أعضاء الحزب الوطنى المنحل، لأنهم غير أمناء ومضيعون للأمانة، وأفسدوا الحياة السياسية فى مصر، وساهموا فى تضليل الشعب طوال ثلاثين عاماً وأنهم جميعاً قاموا بتصدير الغاز للكيان الصهيونى، وأنهم أرشدوا جمال مبارك إلى كيفية تهريب أموال المصريين إلى بنوك سويسرا.

ولكم أشعر بالخجل وأنا أقرأ وأسمع مثل هذا اللغو مصر تنجرف نحو هاوية سياسية، وفتنة طائفية، ومستقبل مزدحم بالاعتصامات والإضرابات والخلل الوظيفى والفساد الذى بالتأكيد تعدى الركب منذ سنين طويلة. والحمد لله أننى رأيت قبل الموت رجالاً يملكون صكوك رفض التوبة والغفران لخطايا لم يرتكبوها فى الأصل، وأحمد الله كثيراً أيضاً أننى عرفت لماذا الخطاب الدينى فى مصر أصبح منعزلاً فى جزيرة سرنديب أو سيلان أو بلاد تصنع من عاج الفيل الشوربة أو الحساء.

ولن أقول لصاحب الفتوى العجيبة وأنصاره قصص الصعود العلمى لإسرائيل، فسيقولون فوراً قاتلهم الله، ولن أحكى لهم حكايات الارتقاء الاقتصادى الهندى أو الماليزى أو التركى، فسيهرعون بالحكم عليهم بالعلمانية الماجنة الكافرة السافرة، لكن سأنتظر منهم رداً على حيرتى تجاه الشباب الغاضب تجاه حكومته ومجلسه العسكرى، وسأبقى على عجل فى انتظار خطاب دينى يحترم عقلى ويشكل هويتى التى باتت مهددة بالفناء.

حقاً، سأدعى الصواب حينما سألنى صديق لى عن سبب صدور مثل هذه الفتاوى فأجبت: "لقد اشترى الشعب المصرى جهازاً لاستقبال القنوات الفضائية وأدار مفتاح التشغيل على قناة فضائية فراغية فظهر شيخ يصول ويجول ويكر ويفر ويدبر ويقبل من عل، وحينما طفق يبحث فى ميدان التحرير وبين المعتصمين من فئات وطوائف الشعب المعترضة على أى شىء وكل شىء عن ريموت الجهاز كى يديره على قناة أخرى اكتشف أن الريموت نفسه ضاع، واستطرد الشيخ حديثه، أما أنا فخلدت إلى النوم علنى أستيقظ على شيخ آخر يبيح جواز المصريات من فلول الحزب المنحل".. عجبى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة