من يمول الأحزاب ومن ينفق على الانتخابات، ومن أين تأتى الأحزاب بتمويل للحملات الانتخابية؟ وهل من حق الناخب والمواطن أن يعرف مصادر تمويل المرشحين ومصادر أموالهم؟ أسئلة تطرحها الحالة السياسية والانتخابية وإجابتها تحدد شكل المستقبل.
لدينا عشرات الأحزاب، وآلاف المرشحين، وأحزاب بعضها جاد، وبعضها يبحث عن شهرة أو فريسة. أحزاب تنسب نفسها للثورة، وأخرى تتاجر بها، وثالثة تعاديها وتقف ضد التغيير، وترى الديمقراطية خطرا عليها.
لدينا زخم سياسى من أحزاب وفئات مالية ودينية وسياسية، كثرة الأحزاب تعنى رغبة فى العمل السياسى وقد تعنى غياب السياسة، والثقة فى النفس والآخرين، بعد سنوات من الاحتكار والفساد والتزييف.
المال هو اللاعب الأبرز فى الحملات الانتخابية، هناك أحزاب وتيارات ومرشحون ينفقون بكثافة، مقابل آخرين يعجزون عن الدعاية وسط التقسيم المتعسف للدوائر.
لدينا أحزاب غنية وأخرى فقيرة وثالثة ذات تمويل غامض، بعضها يضم أثرياء وأخرى تخلو من الإمكانات، خاصة أحزاب الشباب والطامحين لعمل سياسى.
بعض الأموال الكثيفة تبدو بلا مصادر واضحة، وهناك حديث عن أموال من الخليج ومن أوروبا ومن أمريكا، ولا ننسى أن الكثير ممن أثروا من الفساد والسلطة سابقا مازالوا يحتفظون بالمال وجاهزين لاستخدامه، وأن الفلول الاقتصادية والمالية ماتزال قائمة، ولا تقل خطرا عن الفلول السياسية.
الجهات الرسمية وغير رسمية التى وجهت اتهامات وعجزت عن تقديم أدلة، اتهامات تتحدث عن تمويلات مباشرة، وتعجز عن البرهنة على التمويلات المجهولة والتى لا تدخل من البنوك وإنما مباشرة داخل سياقات تجارية أو اقتصادية يصعب مراقبتها.
يفترض أن يكون هناك حوار واضح يحدد كيفية الرقابة على تمويل الأحزاب وما هو مسموح أو ممنوع، وأن تعلن الأحزاب مصادر تمويلها وميزانياتها على الرأى العام، حتى يمكن ضمان الشفافية السياسية. فهذا حق للمجتمع.
والسياسة مصالح وصراعات، وفى حال غياب آليات لضبط التمويل سنرى المال لاعبا رئيسيا فى السياسة، ولأن وجود المال بدون رقابة يعنى أن تكون الأحزاب الغنية هى الأقدر على ممارسة العمل السياسى أو بمعنى أدق «شراء» السياسة والأصوات والولاءات والعضويات والتوكيلات، وهو أمر يخل بمبدأ تكافؤ الفرص، وقد يدفع آخرين للبحث عن دعم والعمل لخدمة الممولين مما يجعل السياسة فى خدمة المال، ويفتح الباب لتدخلات تفسد السياسة والمستقبل، خاصة أن هذه الأحزاب هى التى ستقدم مرشحى البرلمان والرئاسة وتشكل مفارخ العمل السياسى.. كل هذه العناصر تجعل من الضرورى البحث عن سبل لضمان شفافية التمويل السياسى، وأن تعلن الأحزاب والمرشحون للبرلمان والرئاسة عن مصادر التمويل، وهى قواعد معروفة فى كل الدول الحديثة.
التشكيك بدون دليل مرفوض، لكن الشك والاحتياط واجب، والشفافية مطلوبة، إذا كنا نتحدث عن ديمقراطية ومنافسة سياسية مشروعة تضمن تكافؤ الفرص.