علاء لطفى

النبوءة والسياسة!!

السبت، 12 نوفمبر 2011 10:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أستعير معالجة الكاتب "جريس هالسل" فى كتابه الأشهر "النبوءة والسياسة" لأصف المشهد الآن بعد بدء وقائع أول انتخابات برلمانية لثورة 25 يناير.. المشهد لا يزال نبوءة، لكنها الأغرب فى تاريخ النبوءات الكبرى، فهى وإن كانت لم تتحقق بعد إلا أنها مكتملة الأركان، لا ينقصها سوى البُعد الزمنى.. حتى الآن ما أكتبه غير مفهوم، فالكتابة من المستقبل تكون دوماً بأحرف مقلوبة حتى لا تستهلك وقتاً أو جهداً عند قراءتها عكسياً فى الماضى.. عقارب الساعة أيضاً تشير إلى زمن افتراضى تتحرك فيه مرات للأمام والخلف بطريقة ترددية يستحيل معها ضبط اليوم والتاريخ أو معرفة الصباح من المساء.. لكن المشهد غير متقطع، تفاصيله غاية فى الدقة والوضوح، بداياته كانت تكشف بصدق عن تلك اللحظة التى أكتب منها، لكنى لن أتمكن من سرد كل بداياته، أتوقف فقط عند الثوان الأخيرة من مشهد النهاية.. فقبل تلك اللحظة المجهولة ـ المعلومة التى أكتب منها كانت مصر تعيش على مدى أسبوع حرب شوارع وأجواء جنائزية لا يمكن وصفها الآن سوى بأنها كانت بروفة تحضيرية ليوم القيامة الذى تحدث عنه "جريس هالسل" فى كتابه، مع تغير طفيف فى الأحداث والأشخاص وربما الروايات بأكملها، ومع الفارق فى أنها بروفة حقيقية جرت بالفعل فى كل محافظات مصر، فلم يعد ميدان التحرير "حصرى" بل أصبحت كل ميادين مصر "حصرى".. كان المُفترض أن تشهد البلاد هدوءاً بالتزامن مع عيد الأضحى، لكنه كان فيما يبدو هدوءاً حذراً مصطنعاً غير حقيقى.. أزمة الوقود لم تمنع من انتقال الشرارة بين المحافظات من أسوان إلى الإسكندرية مروراً بسوهاج ودمياط والمنصورة ورأس البر وبلطيم.. قتلى ورهائن وحرب شوارع وخنادق لأسباب وتفسيرات مختلفة أياً منها لا يشبه الآخر، لكنها تتكاثر وتتوالد بشكل منقطع النظير فى علم الأحياء، تستنفذ قوى الأمن وتكرس من إنهاكه فى اشتباكات متفرقة وصولاً لمرحلة الحرب الأهلية مع اللحظات الأولى لبدء التصويت.

القضاء الإدارى ترك وحيداً فى معركة العزل السياسى الدائرة منذ اللحظات الأولى للثورة، جاءت أحكامه من المنصورة قبل بضعة أيام من بدء الانتخابات وكأنها فتنة اللحظات الأخيرة، لكنها فتنة أيضاً حصرى، فالحكم ألزم فقط اللجنة العليا للانتخابات بمحافظة الدقهلية فى الشق المستعجل، بعدم قبول أوراق الترشيح لأعضاء الحزب الوطنى، وإحالة الدعوى بالكامل لهيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأى القانونى فى شأن الشق الموضوعى من الدعوى.. هو إعلان صريح بالحرب على الفلول، لكنه لن يمر بسلام كما سنشاهد لاحقاً.. ومع ذلك فالمشهد لم يخلو من عبارات الغزل السياسى لتهدئة الخواطر القبطية بالحديث عن قانون منفصل لدور العبادة غير الإسلامية فى تصريحات عاجلة لوزير العدل يكشف فيها النقاب عن مشروع قانون جديد يخلصها من القيود المفروضة على بنائها بقيد وحيد هو "صلاحيات المحافظ"، توقيت الإعلان عن النوايا الطيبة لا يمكن تفسيره دون الاستعانة بمرجع لغوى متخصص فى الابتزاز السياسى.. فهو إعلان استهدف احتواء تداعيات الرفض لوثيقة السلمى ومبادئه فوق الدستورية ونزعته للدولة المدنية العلمانية التى قد تأتى بنموذج تركى للحكم فى مصر يحمى حقوق العبادات ويسمح للجيش بالدخول والخروج من السلطة وقتما يشاء وكيفما يشاء لحماية الدستور والدولة المدنية.. كل الأطراف وصلت بأفكارها إلى طريق مسدود وأصبحت عناصر الاحتراق مكتملة الحضور، واستبعاد السيناريوهات الثلاثة المرتقبة لشكل الحكم يدفع فى اتجاه السيناريو الرابع وهو عجز المجلس العسكرى والحكومة عن حماية الانتخابات من البلطجة، مما يسفر عن اشتباكات وسقوط قتلى وإعلان إلغاء أو تأجيل الانتخابات، وسيجد الشعب ملاذاً آمناً لحظتها فى المجلس العسكرى كقوى عازلة بين تيارات سياسية يعجز أي منها عن الاقتراب من أفكار الآخر ونبذ منطق الإقصاء السياسى بنتائجه المعروفة التى تتراوح ما بين اللبننة والأفغنة والصوملة.. وليكون سيناريو "القوى العازلة" هو الأقرب لمشهد ما بعد نوفمبر 2011م.. لكنها تبقى نبوءة.. قد نسجد لله جميعاً شكراً أنها لم تتحقق!!









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة